المرأة المعنّفة ضحية المجتمع!

نور فياض
نور فياض

“العنف ضد المرأة هو السل”، بهذه العبارة تجسّد الامم المتحدة مدى خطورة العنف ضد النساء اللواتي يتعرضن لشتى انواعه (الجسدي واللفظي..)، لذلك اتخذت من 25 تشرين الثاني يوما لتسليط الضوء على هذه الآفة التي تهيمن في كافة انحاء العالم.

تحت شعار “لوّن العالم برتقالياً: فلننه العنف ضد المرأة الآن”، أطلقت الامم المتحدة 16 يوماً من الانشطة تبدأ بـ25 تشرين الثاني وتنتهي بـ10 كانون الاول وهو اليوم الذي يصادف فيه ذكرى اليوم العالمي لحقوق الانسان وتهدف هذه الحملة، التي يقودها الأمين العام للأمم المتحدة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة منذ عام 2008، إلى منع العنف ضد النساء والفتيات والقضاء عليه في جميع أنحاء العالم، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات عالمية لإذكاء الوعي ولتعزيز الدعوة إلى ذلك الهدف ولإتاحة الفرص لمناقشة التحديات والحلول. وستُغمر المباني والمعالم الشهيرة باللون البرتقالي للتذكير بالحاجة إلى مستقبل خالٍ من العنف.

“هيدا الخوف بتعيشه كل امرأة وبنت خلال حياتها، بس هلق صار في قانون بيحميا”، في اطار الحملات التوعوية، اطلقت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية حملة حول مخاطر التحرش الجنسي وتقول رئيسة الهيئة كلودين عون لـ”لبنان الكبير”: “تتضمن الخطة سياسات وطنية للوقاية من العنف والحماية منه وتوفير الدعم للناجيات منه وتعزيز حقوقهن في الوصول الى العدالة”.

وتضيف عون ان هذا المشروع تنفّذه الهيئة بالشراكة مع “Deutsche Gesellschaft für Internationale Zusammenarbeit” ضمن إطار برنامج “مناهضة العنف ضدّ النساء والفتيات في لبنان P-VAWG المموّل من الحكومة الألمانيّة”.

وتتابع: “جريمة التحرش الجنسي بأشكالها المتعددة أقوالاً كانت أم أفعالاً، اشارات ام ايحاءات جنسية يعاقب عليها القانون. فاليوم الأزمات المتفاقمة التي يواجهها لبنان فقط بزيادة طبقات جديدة لتلك الظاهرة الاجتماعية والمجتمعية. لذلك الأمر متروك لنا جميعًا لإحداث تغيير نهائي من خلال الإدماج والمساواة والعدالة. كما ان التوعية الإجتماعية وايجاد بيئة إجتماعية وتشريعية ومؤسساتية رافضة لهذا النوع من العنف والمشاركة الواسعة في الجهود المبذولة، هي عوامل أساسية للتوصل إلى اجتثاث جذور هذه الآفة من المجتمع”.

ولفتت عون النظر إلى “التعديل الأخير لقانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري الذي طور سبل الحماية القانونية للنساء، وأكد وجوب إنشاء صندوق لمساعدة النساء ضحايا العنف”.

كما أطلقت جمعية “أبعاد” حملة تحت عنوان “دايماً وقتها”، وتقول أصالة الجوهري منسقة تنفيذ المشاريع في المنظمة لـ”لبنان الكبير” ان هذه الحملة هي للتذكير بأن توفير “الحماية للنساء والفتيات لا ينبغي أبداً أن تكون” في آخر سلم الأولويات.

وتتابع الجوهري: “في ظل الأزمات الحالية التي يشهدها لبنان على أصعدة عدة، وعلى رأسها الاقتصادي والاجتماعي، يجب ان يكون تأمين الحاجات اليومية وتوفير الحماية من الخطر للنساء في الأولوية عينها، اي يجب ان لا تتقدم اي منهما على الاخرى.

في ما يختص بنسبة النساء اللواتي يتعرضن للعنف، تشير الجوهري الى ان “الدراسة اظهرت أن 96% من النساء تعرّضن للعنف الأسري، وتسعاً من كل 10 سيدات تعرضن لشكل من أشكال العنف بوجه عام في لبنان هذه السنة ولم يبلغن خوفا من المعتدي او بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يمرنّ بها. وأظهرت الدراسات أن واحدة من كل 10 مبلغات عن العنف اتجهت إلى الجهات الأمنية والقضائية، وأن 17.7% من النساء يعرفن رقم الخط الساخن 1745، فيما 62.9% لا يعرفن ذلك. وهذا ما يعني أن أرقام قوى الأمن لا تعكس الواقع على الأرض”.

وبينما تعلم 51.8% من السيدات اللواتي شملتهن الدراسة أن القانون اللبناني يجرم العنف الأسري، كان لافتاً أن 43.6% قلن إنه غير مجرّم، و4.6% قلن “لا أعرف”. وقالت 51.9% إنهن لا يعلمن أن لدى المنظمات النسوية مراكز إيواء وخطوطاً ساخنة لمساعدة النساء ضحايا العنف. وتؤكد الجوهري ان جمعية “أبعاد” تتلقى 314 اتصال استغاثة شهرياً على الخط الآمن للمساعدة الطارئة وللتبليغ عن العنف”.

القانون

أما بالنسبة إلى القانون الذي يحمي المرأة من العنف، فقد صدق مجلس النواب اللبناني على مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 4116 تاريخ 8 أيار 2010 الرامي إلى حماية النساء من العنف الأسري، وبالنتيجة اقر قانون رقم ٢٩٣/٢٠١٤ وهو ينقسم إلى قسمين:

قسم عقابي: يشدّد العقوبات على بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني في حال ارتُكبت بين أفراد الأسرة، كما يجرّم الضرب والإيذاء.

قسم حمائي: يشمل أمر الحماية الذي يمكن للضحيّة طلبه بهدف إبعاد المعنِّف عنها وعن أطفالها عبر إبعاده عن المنزل، أو نقلها مع أطفالها الى مكان آمن.

وهذا القانون لا يجرّم فعل إكراه الزوجة على الجماع أو الاغتصاب الزوجي بحد ذاته، إنّما الضرب والإيذاء والتهديد التي يلجأ إليها الزوج للحصول على “الحقوق الزوجية”. ولكي يُعاقب المعنِّف، يجب أن تتقدّم السيدة بشكوى قضائية، في حين أن إسقاطها للشكوى يوقف ملاحقة المعنِّف.

أما العلاقات التي لا يشملها قانون 293 فهي:

زواج سابق، اذ لا يشمل القانون الزوج السابق علماً أن المرأة غالباً ما تبقى مُهدَّدة من قبله.

علاقات المساكنة، والزواج الموقّت، وأي علاقة خارج إطار الزواج الصحيح المعترف فيه قانوناً.

كرمال الأولاد

تتردد بعض النساء في الشكوى على شريكها الذي يعنّفها بإستمرار. وتتحدث لارا لـ”لبنان الكبير” عن معاناتها وخوفها من اللجوء الى السلطات المعنية لمحاسبة زوجها. وتروي لارا ما حدث معها: “لم اشعر يوما بأنني استطيع تقرير مصيري، فعندما كبرت أُجبرت على الزواج من شخص لا احبه ولانني اصبحت في عمر متقدم وكي لا يفوتني القطار واصبح عانساً، والداي اجبراني على هذه الخطوة. بعد مرور سنوات بدأت المشاكل تتفاقم، وأنجبت طفلين تربيا على صوت الضرب المبرح وعلى نغمة صراخي. لم اتحمل فقررت الذهاب الى منزل اهلي اخبرتهم معاناتي الا ان تعليقهم كان صادما: تحملي كرمال الاولاد، ما عنا بنات تطلق، اكيد الحق عليكي ما عم تأمنيله حاجاته”.

وتتابع لارا: “لم اذق طعم السعادة يوما، حاولت ترتيب امورنا لكني فشلت وبقيت اتعرض للعنف. كبروا اولادي واصبح سلوكهم عدائيا، لجأت مرة اخرى الى اهلي، توقعت ان يقفوا الى جانبي لكنهم مرة ثانية القوا اللوم عليّ واتهموني انني لم استطع تغيير طبع زوجي وانني انا المقصرة، وطبعا جملتهم الشهيرة” ابقِ جنب ولادك”، فات الاوان لم ابلّغ عنه خوفا من غضبه والفضيحة امام المجتمع”.

بين هذا نصيبك وبلّغي عن المعتدي تقف المرأة حائرة. صحيح اننا وصلنا الى زمن النساء فيه رائدات في المجتمع ويشغلن مناصب رفيعة الا ان بعض المجتمعات ما زالت تتغاضى عن حقوق المرأة وترفض مبدأ المساواة بين الجنسين، الامر الذي يفقد المرأة ثقتها بحماية الدولة لها.

ستنتهي الحملات في يوم ذكرى حقوق الانسان، لكن أليست حقوق المرأة من حقوق الإنسان أيضاً؟!

شارك المقال