لم يُدرك أهالي ضهر المغر السبب الذي دفع الشاب أسعد الأيّوبي إلى قتل جدّته التي يحبّ، إذ يعرف تمامًا كلّ المقرّبين والجيران مدى محبّة وتقدير هذا الشاب (20 عامًا) لجدّته نورا الرفاعي، التي قتلها حفيدها طعنًا بالسلاح الأبيض (السكين) ممّا جعل المنطقة كلّها في حال ذهول من حجم الكارثة التي حلّت على هذه العائلة التي يصفها الأهالي بأنّها “هادئة ولم يُسمع عنها إلّا كلّ خير”.
حال الذهول التي أصابت منطقة ضهر المغر، أصابت في اليوم التالي منطقة المنكوبين التي شهدت على جريمة مروّعة تقشعر لها الأبدان، ووفق المعلومات فقد قام الشاب محمّد إبراهيم بإطلاق النّار على شقيقته (10 سنوات)، ليقوم والده “عبد الناصر” بعدها بإطلاق النّار عليه بالسلاح عينه، وحسب المعطيات يُشير الأهالي والمقرّبون من عائلة إبراهيم إلى أنّ محمّد كان يحمل سلاحًا فأطلق الرصاص عن طريق الخطأ وأصاب شقيقته الصغرى.
وتتضارب المعلومات في هذه الجريمة، فالبعض قام بربطها بتعاطي محمّد للمخدّرات ولا سيما أنّ المعلومات تُشير إلى أنّه يتعاطى هذه المادّة وأنّ والده كان يُعاني من تصرّفات ابنه الطائشة، ومنهم من ربط هذا الحدث العنيف بالسلاح المتفلّت الذي يتسبّب في الآونة الأخيرة بالكثير من الأزمات والقلق خصوصا في الأحياء الشعبية.
وبسبب كثرة جرائم القتل شمالًا، وربطها مباشرة بالمخدّرات وتداعياتها، دعا العديد من الناشطين إلى القيام بوقفة احتجاجية أمام سرايا طرابلس احتجاجًا على “اقتحام” هذه المادّة الخطيرة لنفوس وعقول الشبان، إذ يُؤكّد عدد من المحتجين أنّ السبب الرئيسي الذي يدفع الشاب إلى القتل العمد هو تعاطيه لمادّة المخدّرات، فضلًا عن أسباب أخرى باتت تدفعه إلى ارتكاب جرائم مختلفة، كالأسباب النفسية – العقلية مثلًا…
الجدّة ضحية مريض نفسي؟
وفي تفاصيل الجريمة الأولى، تعيش نورا الرفاعي في منزلها مع ابنها محمّد الذي اتخذ قرارًا منذ أعوام بالانتقال من منزله للعيش في منزل والدته، مع زوجته وأولاده الأربعة (أسعد، آدم، أدهم ونورا) الذين قامت جدّتهم بتربيتهم وإعطاء القسم الأكبر من محبّتها إلى حفيدها الأكبر أسعد الذي توفيت بيْن يديه.
في الواقع، تعيش العائلة في حال يُرثى لها، فمحمّد أيّ والد القاتل “كما يصفه الشهود” غائب عن الوعي من صدمته ويشعر بالقهر والغضب الشديدين بسبب ما اقترفه ابنه بوالدته، “فقد خسر الأب والدته وابنه في الوقت عينه، حتّى أنّه لم يتمكّن من الصمود من صعوبة وضعه عند دفن والدته، ولم يتمكّن من الصلاة عليها إذ كان منهارًا وعاجزًا عن الوقوف على قدميه ودموعه لم تُفارقه أبدًا…”.
وفي التفاصيل، ووفق مقرّب من عائلة الجدّة، فإنّ أسعد يُعاني منذ نحو عامين من مرضٍ نفسيّ شديد وكان يعالج بأدوية أعصاب، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “لم نسأل عن اسم المرض تحديدًا لكنّه قد يكون أقرب إلى الفصام وكان يأخذ الدواء، وحسب معلوماتنا فإنّه لم يتلقّ في الفترة الأخيرة علاجه، مما أدّى على ما يبدو إلى تفاقم حاله النفسية، مع العلم أنّه الأقرب إلى جدّته ويحبّها جدًا”.
وقد ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار الخبر بأحاديث وتعليقات، أشارت معظمها إلى هذه التفاصيل: البعض أشار إلى أنّ أسعد يُعاني من التوحد وهذا ما نفاه المقرّب من العائلة، لافتًا إلى أنّ مرض التوحد لا يعني أبدًا إحداث الضرر بالآخرين أو رؤية الآخرين وكأنّهم أشرار يُريدون الأذية له ولأحبائه. أمّا البعض الآخر فأكّد أنّه يتعاطى مواد مخدّرة. وفي هذا السياق، يقول: “في فترة سابقة، حاول الشاب التعاطي لكن هذا في الماضي، والحقيقة تقول إنّه مريض وانقطع الدواء عنه لسببٍ ما”.
وفي التفاصيل التي رواها المقرّب، “فقد خرجت والدة الشاب لجلب بعض الأغراض وكان أسعد وجدّته يحملان هاتفيهما الخلويين، وبعد فترة زمنية قصيرة وصلني خبر يُؤكّد مقتل الجدّة، فقد قتلها عبر طعنة بالسكين في رقبتها وبأماكن أخرى من جسدها، ولم يُعرف بعد كيفية قيامه بعملية القتل، لكنّه بالتأكيد لم يقصد قتلها أبدًا ولم يكن في وعيه أساسًا، وبعد حضور مخابرات الجيش لإلقاء القبض عليه كانت تُؤكّد أنّ الشاب ليس بصحته العقلية السليمة وأنّه في عالمٍ آخر”.
ويُضيف: “بعد عودة والدته سألته عمّا إذا كانت جدّته قد نامت أم لا، فأجابها مهدّدًا إياها بالقتل إن اقتربت منها، مما أدّى إلى صراخها وصولًا إلى تدخل مخابرات الجيش التي وصلت قبل وصول والده إلى موقع الحادث وقد هدّد العناصر أيضًا بالقتل، مما يُشير إلى صعوبة وضعه النّفسيّ الذي لم تكترث له الوسائل الإعلامية بقدر ما اهتمّت بوالده الذي كان مسجونًا بتهمة الإرهاب في فترة سابقة، وهذا ما دفع بعضها إلى ربط ارتكاب أسعد هذه الجريمة بتهمة والده، وهو ما يُعدّ مجحفًا بحقّ الوالد الذي سعى منذ خروجه من السجن إلى اصطحاب ولده إلى الأطباء لمعالجته”.
المرض النفسي قاتل أحيانًا!
لا يُمكن الاستهانة بحجم الخطر الذي يُمكن أن تحمله الأمراض النفسية على الإنسان، فهي تنشأ لسبب، وقد تتعاظم هذه الأسباب والظروف لتُؤدّي إلى حوادث عدّة قد لا تُحمد عقباها. وكانت قد لفتت دراسات وأبحاث علمية متنوّعة إلى وجود علاقة وثيقة بين الأمراض والاضطرابات النفسية وارتفاع نسب العنف ولا سيما ارتكاب جرائم القتل، وهي ما قد يُطلق عليها مصطلح “الاضطرابات النفسية الكبرى”.
وتقول إحدى الاختصاصيات النّفسية لـ “لبنان الكبير”: “توجد أمراض نفسية مختلفة قد تُؤدّي إلى ارتكاب الجرائم أبرزها الفصام أو ما يُعرف بين النّاس بأنّه انفصام في الشخصية التي تُحدث (الهلاوس) وتتضمّن الأفكار التي لا تمتّ للواقع بصلة، وغيرها من الأعراض التي تُؤدّي إلى قتل نفسه (الانتحار) أحيانًا أو محاولة إيذاء من حوله…، كما يُمكن أن يكون مصابًا بالاكتئاب السوداوي وتختلف أنواعه حسب أعراضه، وهو قد يُؤدّي أيضًا إلى قتل النفس أو الآخرين وغيرها من الأمراض…”.
وإذْ تؤكّد خطورة هذه الأمراض التي تقتل، تُشدّد على ضرورة زيارة الأطباء والمعالجين الذين سيُقدّمون العلاجات اللازمة الكفيلة بالحدّ من تداعيات هذا المرض الذي ينهش في روح الإنسان، وتقول: “لا يُمكن لوم الضحية كثيرًا، فهي واجهت الكثير من السوداوية لتصل إلى اتخاذ قرار صعب كالانتحار مثلًا، ولن يكون في قمّة سعادته عند ارتكابه جريمة ما… لذلك، علينا معاينة صحتنا النفسية والاكتراث بها كلّ 6 أشهر، ومن يُعاني من مرض مزمن وقاسٍ نفسيًا لا بدّ من متابعة علاجه ووقوف ذويه إلى جانبه، مع ضرورة الاعتناء بأدويته ومراقبته عند أخذها ولا سيما في هذه الظروف التي قد نفقد فيها الأدوية لعدم وجودها أو غلاء أسعارها، فضلًا عن رفض الكثير من المرضى تقبّل حقيقة أنّهم مرضى مما يدفعهم أحيانًا إلى رفض العلاج ورميه…”.