مجزرة بيئية في مقبرة باب الرمل!

إسراء ديب
إسراء ديب

تشهد منطقة باب الرمل الطرابلسية مجزرة بيئية لا يُدرك مرتكبوها تداعياتها على أهالي المنطقة الذين حاولوا في الفترة الأخيرة رفع صوتهم عاليًا بوجه “الجهات المتورطة في السماح بقطع الكثير من الأشجار المعمّرة في مقبرة باب الرمل”.

يصف شهود عيان لـ”لبنان الكبير” مدى “صعوبة المشهد في المقبرة التي تشهد منذ سنوات الكثير من التجاوزات القانونية والإنسانية، وهي اليوم تُواجه أكبر أزماتها مع قطع هذه الأشجار التي يراها الأهالي بأنّها رئة المنطقة الشعبية والمنسية في طرابلس القديمة، وكانت ملاذًا آمنًا للحيوانات الأليفة ولا سيما العصافير”.

ويؤكد أنّ أحد الشهود “قطع بعض هذه الأشجار بطريقة غير سليمة مع رمي العمّال الكثير من النفايات بين القبور، ضاربين بعملية القطع هذه عرض الحائط الطرق الصحيحة والسليمة لقطع الأشجار وفق تعليمات وتوصيات رسمية لا تقضي على الثروة الخضراء المتبقية في هذه المناطق الفقيرة التي غزتها الأبنية المتصدّعة والكثير منها تراثية، وانتشرت فيها مظاهر الفقر والعوز وهي لا تتحمّل قطعًا المزيد من الخسائر”.

غياب التنسيق

بعد انتشار خبر قطع الأشجار في المقبرة، قام عضو بلدية طرابلس ورئيس لجنتها البيئية محمّد نور الأيوبي بزيارة إليها مع زميله عضو المجلس البلديّ محمّد تامر. ويقول الأيوبي لـ “لبنان الكبير”: “زرت مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمّد إمام للحديث عن هذا الأمر، ولديّ الرسائل الرسمية المرسلة من دائرة الأوقاف إلى وزارة الزراعة وموافقة الأخيرة على القيام بـ”تشحيل” 20 شجرة في المقبرة، كما توجد أيضًا كتب مرسلة من الأوقاف إلى البلدية يتضمّن موضوعها قطع الأشجار في المقبرة والبلدية كانت ردّت عليها بالموافقة”.

وإذ يُؤكّد الأيوبي أنّ ما قامت به الأوقاف لا يُعدّ مخالفًا للقانون، يُشدّد على عدم وجود تنسيق مشترك بينها وبين البلدية، ويُضيف: “الأوقاف كانت طلبت من البلدية آليات، لكن البلدية أكّدت أنّها لا تملك ونشًا مرتفعاً، مما دفع الأوقاف إلى التعاون مع المقاول الذي اتفق مع عدد من العاملين مقابل الحطب الذي يُمكنهم الحصول عليه، ومن الطبيعي أن تشعر النّاس بأنّها عملية تجارية، لكن بالتأكيد المقاول الذي أخذ على عاتقه هذه العملية، سيكون من ضمن أهدافه جنيّ الأرباح”.

أمّا عن الأضرار، فيُتابع: “يُمكن القول إنّ بعض الأشجار كانت تحتاج إلى قطع، إذ كان بعضها مسوّسًا وبعضها الآخر كان محروقًا، وبالتأكيد كان لا بدّ من التخلّص منها، ووفق المهندس الزراعي مصطفى حمّود الذي اطلّع على المقبرة ليكشف حجم الأضرار، فلم يعترض على عملية القطع كثيرًا، لكنّه أكّد وجود بعض الأشجار التي كان حجم القطع فيها أكبر من اللازم”.

المقبرة والمؤازرة الأمنية

يصف أحد المتابعين لملف المقبرة أنّ ما تُواجهه هذه البقعة الجغرافية يُعدّ كارثة ومجزرة بيئية لا بدّ من معاقبة مرتكبيها، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “إذا كانت الأوراق الرسمية قد أباحت لهم قطع 20 شجرة مثلًا، فإنّ حجم الخسائر هو أكبر من ذلك بكثير، وقد زرنا هذه المقبرة منذ أيّام وكان أحد العمّال يقوم بعملية توريق شجرة معمّرة وضخمة، وبعد ذهابنا اكتشفنا أنّه قطعها، كلّ ما يحدث لا يُبرّر وجود ونشين لنقل الشجر والحطب إلى مناطق ريفية أبرزها المحمرة وببنين والاستفادة من المردود المالي، الذي يدفعه المقاول أيضا إلى 20 عاملًا للعمل في هذه المقبرة التي تحتاج إلى الاعتناء بها”.

ويُحمّل هذا المتابع المسؤولية لكلّ الجهات التي أعطت رخصًا لقطع الأشجار بهذا الأسلوب الذي يراه عشوائيًا وغير منظّم، بلا مراقبة ولا مساءلة قانونية دقيقة، معتبرًا أنّ الدخول إلى المقبرة في هذه المرحلة بات يحتاج إلى مؤازرة أمنية، ويقول: “لقد تحوّل هذا المكان إلى مرتع للزعران صباحًا ومساءً، وذلك بعد تحكّم بعض أبناء المنطقة به، وكأنّهم يملكونه وباتوا يقفون ضدّ كلّ من يتدخل لصالح المنطقة كلّها، بحجة أنّهم أبناء باب الرمل”.

ويختم محذرًا كلّ من يُريد زيارة المقبرة، ويقول: “لا بدّ من تدخل القوى الأمنية للحدّ من التعدّيات الواضحة، وذلك لحماية النّاس وحماية أهالي المنطقة الشرفاء ممّا يُخطّط له البعض خدمة لمصالحه الشخصية”.

شارك المقال