fbpx

بيروت بلا كتاب

نور فياض
نور فياض
تابعنا على الواتساب

في هذا الموعد من كل عام ينشغل اللبنانيون بمعرض الكتاب، فتكتظ السيارات على طريق البيال وتنظّم المدارس الرحلات الثقافية لطلابها ويغزونا السياح من كل حدب وصوب، وتمتلئ الرفوف بالكتب لتتأمل نافورة الباحة التي تكتظ بالناس الذين يأخذون الصور التذكارية. لكن اليوم، ويا للأسف، لا زحمة، ولا رحلات، ولا صور، المعرض صار ذكرى لا نعرف متى تتجدد.

للسنة الثالثة على التوالي، واجهة بيروت البحرية يتيمة بغياب المعرض، وهو استبدل بثقافة الثورات والانفجارات وكورونا والدولار مما أدى الى استبعاده حتى إشعار آخر.

تأسس المعرض سنة 1956 وهو معرِض سنوِيّ دُولِيٌّ للكتَاب العربي يُنظمه ويشرف عليه النَّادِي الثَّقَافي العرَبِي بِالتعاون مع اِتحاد النَّاشرِين اللُّبنانِيين على مدار 12 يوماً أواخر شهر تشرين الثاني حتى منتصف كانون الأوّل من كل عام في بيروت. وهو أول معرض للكتاب في العالم العربي. استَهل أَوَّل معرِض لقاءه بالمثقفين في القاعة الغربية للجامعة الأميركية في بيروت ثم انتقل عام 1996 إلى ساحة الشهداء ثم إلى قاعة اكسبو في منطقة عين المريسة عام 2003، إلى ان استقر أخيرًا عام 2004 في قاعة المعارض في البيال.

لم يتوقّف المعرض منذ نشأته، على الرغم من الظروف الأمنية التي كان يشهدها لبنان بسبب الحرب الأهلية، والعداون الإسرائيلي الا أنّ ثورة 17 تشرين وكورونا وانفجار المرفأ الذي دمّر القاعة الكبرى أدت إلى توقفه ولو موقتاً.

وتؤكد رئيسة النادي الثقافي العربي السيدة سلوى السنيورة بعاصيري لـ”لبنان الكبير” أنّ “غياب معرض الكتاب العربي والدولي الذي ينظمه النادي دورياً ومن دون انقطاع سببه وباء كورونا وانفجار المرفأ، لكنه سيستعيد نشاطه مطلع العام 2022 فجميع الترتيبات قائمة ونحن بانتظار أن تجهز قاعة المعرض التي تعرضت لأضرارٍ جسيمة خلال الانفجار”.

وتضيف: “يمر لبنان في أزمات كبيرة تطال مختلف مناحي الحياة ولا سيما الاقتصادية منها، وهذا سيترك أثره في سير عمل معرض الكتاب ولكن أن يتأثر سلباً لا يعني حكماً عدم نجاحه في تحقيق الغاية من تنظيمه وهذا ما نراهن عليه”.

وتتابع: “من المتوقع أن يتعذر على شريحة من زوار المعرض القيام بشراء الكتب التي ترغب فيها لكن من المتوقع أيضاً أن يتمكن آخرون من شراء الكتب بفضل طبيعة أنشطتهم وعملهم ونأمل أن يتراجع العامل السلبي بقوة الارادة الصلبة على الاستمرار في الحياة.”

وتشير بعاصيري الى أنّ “الشعب اللبناني شعبٌ مستنير لكن عملية اشغاله بكافة المتاهات الجانبية بات يؤثر في سلّم اولوياته، الاّ أن الثقافة تسكن ذاكرة اللبناني وهي من مقومات حياته وبالتالي لا نستطيع ان نفصل لبنان عن الثقافة او نفصل اللبناني عنها. وعلى الرغم من اغراقه بإشكالات عدة سيعود الى طبيعته التي تتمثّل في التمسك بثروته الحقيقية التي هي الثقافة.”

وفي ما يتعلّق بمعارض الكتاب التي تقام في الخارج تقول بعاصيري: “نحن سعداء بإقامة معارض كهذه في العالم العربي وهذا مدعاة فخر لنا، فسابقا كنّا روّادًا في هذا المضمار واليوم بات باستطاعة الناشر اللبناني الوجود في سائر المعارض وتأكيد حضوره أينما اتجه.”

وتختم بعاصيري: “الثقافة هي جزء لا يتجزأ من تاريخ لبنان ومن عاصمته بيروت وستبقى المعرفة والثقافة ثروة لبنان الحقيقية التي يجب عدم التفريط بها”.

من جهتها، الكاتبة وصاحبة دار نشر “الخياط الصغير” رانيا الزغير تقول لـ”لبنان الكبير” إن “معرض بيروت انتهى منذ 3 سنوات. وهو يُعتبر من أقدم المعارض لكنه أصبح خيال معرض لأنه يشهد سوءاً في التنظيم من القيمين عليه إن كان عدنان حمود واتحاد الناشرين والعديد من المنظمين فهم أناس بلا خيال”.

وتضيف الزغير: “كان المعرض يقام رفع عتب فنحن وصلنا الى مرحلة اصبح فيه مهزلة مقارنة بمعارض الكتاب في العالم العربي ومقارنة بمعرض الرياض مثلا”. وتتابع: “حصلت بيروت على مبلغ 6 ملايين دولار للمعرض، سُرق المبلغ ولم يحسّنوا فيه وبالتالي يجب عدم القول ان البلد منهار بل المسؤولين فيه غير قادرين على فعل شيء لتطوير المعرض.”

وترى أنّ “غياب المعرض لا يؤثّر سلبا في الكتّاب اللبانيين فهم يرونه فلكلورا، اما التميّز فهو حصرا للخارج، وكذلك لم يؤثّر في القرّاء لانهم بإستطاعتهم شراء الكتب من المكاتب”.

وتختم الزغير: “معرض الكتاب في بيروت انتهى مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الداعم الأول له، ومع استشهاده دخل المعرض في موت سريري وصُلّي على جثمانه قبل ثلاث سنوات. كنت اتمنى التحدث بطريقة جميلة لكن المتمسّكين بالمعرض يغمرهم الفساد فأفقدوا المعرض اهميته”.

وقال مستشار وزير الثقافة ناصيف نعمة لـ”لبنان الكبير”: “للعام الثالت على التوالي، يتوقّف المعرض بسبب انفجار المرفأ وارتفاع سعر الدولار الذي أدى إلى تراجع عدد السياح إذ كان يشارك في المعرض اكثر من 225 دار نشر إضافة الى كتاب وزوّار أجانب. مثال على ذلك عام 2018 بيع الكتاب بمبلغ 75 ألف ليرة أي 50 دولاراً سابقا أما اليوم أصبح سعره مليوناً و200 ألف ليرة أي ما يوازي ضعفي الحد الأدنى للأجور مما أدى إلى انخفاض عدد الزائرين بنسبة 50% في آخر سنة من العرض”.

ويضيف نعمة: “أما الأزمة الثانية فهي ازمة عالمية حالت دون استمرار المعرض بشكله الطبيعي وهو وباء كورونا والقيود التي يخضع لها المسافر. الإنترنت والتطور التكنولوجي من الأزمات المؤثرة أيضا في المعرض فبعض البلاد صارت تتمتع بسرعة هائلة (5G) فيُستنسخ أي كتاب بدقيقة واحدة. وإذا نظرنا الى واقع الشباب اليوم، والى واقع الكتاب المأزوم، نجد أنه في غربة وتنافر. من هذا المنطلق علينا استثمار الوقت عبر الكتاب و تعويد انفسنا على الأبحاث والإستفادة من المعلومات التي من الممكن ان نأخذها نظرا لأهميتها مقارنة بالمواقع والمجالات الرقمية”.

ويختم نعمة: “الكتاب خير جليس لذلك علينا أن ننمّي حب القراءة بأنفسنا وان نكمل ذلك مع اولادنا فكل ما حاولنا تعويدهم على القراءة كبر حبهم للكتاب، وهنا يفترض على وزارة الثقافة ان تدعم دور النشر لتستعيد بيروت ألقها ويزدهر لبنان من جديد ثقافيا فبيروت عاصمة الكتاب ويجب أن تبقى بهذا التألق”.

في السياق عينه، يؤكد صاحب دار “المؤلف للطباعة والنشر والتوزيع” ناصر عاصي لـ”لبنان الكبير” أنّ “البلد غير موجود وليس فقط المعارض، فواجهة بيروت البحرية مهدّمة وقاعة الفوروم صغيرة، إضافة الى سوء الاوضاع بالبلد”.

بالنسبة إلى دور النشر يشير عاصي الى أنّ “واقع هذه الدور كما حال كل شيء في البلد فالخسارة والربح مرتبطان بعملية الشراء. والكتاب اللبناني مهم كما المعارض التي كانت حدثا ثقافيا وليس تجاريا. أما الكاتب اللبناني فلا تزال أعماله مزدهرة على صعيد العالم العربي لأنه في الاشهر المقبلة سيُستضاف في معارض الكتب العربية”. ويقول نعمة: “الكتاب اللبناني ممتاز لكن داخلياً غصة بقلبنا ما عم نقدر نعمل معرض في حين أن الدول كافة تخطت مسألة كورونا باستثنائنا إذ لدينا وباء كورونا وجميع الاوبئة وعلى الرغم من ذلك إن افتتح المعرض اليوم فسنكون من أول المشاركين”.

أما الصحافي يقظان التقي فيقول لـ”لبنان الكبير”: “معرض بيروت هو نَفَس المدينة وهذه ليست المرة الأولى يغيب فهو مرتبط بطبيعة الأحداث التي يمرّ بها البلد. ويعتبر المعرض أحد أعمدة بيروت الثقافية فحركة النشر تصب فيه وترتبط أجندة إصدارات الكتب به أيضا. فغيابه هو غياب موسم ثقافي بكامل فعالياته، والوجه المظلم في الأيام الصعبة التي تمر بها بيروت”.

ويضيف: “كورونا وارتفاع سعر الصرف الذي سبّب غلاء أسعار الأوراق أثّرا سلبا فيه وفي دور النشر أيضا، إضافة إلى عدم تصدير الكتاب الى الخارج بسبب سوء العلاقات مع الدول العربية فجميع هذه الأسباب تُفقِد بيروت دورها شيئا فشيئا”. ويتابع: “لبيروت دائما نكهة خاصة فهي منتجة للكتاب وليست فقط مستهلكة كحال العديد من الدول العربية التي تستهلك من دون إنتاج باستثناء بعضها كالسعودية والمغرب و…”. ويقول التقي: “الكتاب هو مساحة للتعبير عن الحرية وبجوهره يعبّر عن حرية النشر والمنظومة الليبيرالية التي يتمتّع بها البلد لكن للأسف تتعرض بيروت للتقهقر في عدة مجالات”.

ويؤكد التقي أنّ “بيروت هي التي تروّج للكتاب العربي وتشهره، فسابقا الكتاب الذي لا ينشر في بلده كانت تحتضنه بيروت وتشهره. مثلاً كتاب نجيب محفوظ “الحرافيش” مُنع في مصر لكن بيروت نشرته، فهي مختبر للثقافات والذي لا يأتي بكتابه الى بيروت لن يحصل على الشهرة المطلوبة لنشره”.

ويختم التقي: “واقع دور النشر صعب اليوم وهم يلجأون الى الدول العربية لاستعادة حيويتهم لكن في النهاية مرجع الجميع هي بيروت التي لا غنى عنها. نأمل أن تتحسن الأوضاع ونتجاوز أزمات البنزين والدولار وكورونا التي تؤثر سلبا في إقامة المعرض، وتعود بيروت ويعود المعرض الى هيبته”.

لا كتاب ولا كتّاب، لا ثقافة ولا سيّاح، لا معرض ولا روّاد ولا تظاهرة ثقافية. لطالما عُرفت بيروت بتصدير الحرف وسمّيت بمهد الحضارات، فهل سيهاجر حرفها ليدمّر حضارتها بخاصة بعدما أصبح للكتاب العربي موطئ قدم في عدة مدن أجنبية. وهل سيصبح الكتاب صديق الغربة وأنيس المغترب وتصبح بيروت متفرّجة غير مشاركة؟

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال