“إحنا الفول دوّخنا وداخ”… واللحمة من أمنيات البعلبكي!

آية المصري
آية المصري

تبدّلت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانعكست سلباً على معظم القطاعات الإنتاجية، كما أثرت في عادات معظم الشعب اللبناني باستثناء الذين يتقاضون دولارات “فريش”. أما البعلبكي الذي اشتهر بعاداته وتقاليده وحبّه للحوم على مختلف أنواعها والتي كانت حاضرة على كل الموائد خلال أيام الأسبوع، تغيّرت أوضاعه وباتوا يشتهون اللحمة وعاجزين عن شرائها.

فمن منا لا يعلم ماذا يعني نهار الأحد لدى البعلبكي، نهار اللحوم على أصنافها، يوم للحمة النيئة، السودة، الكبة… ويوم أيضاً للحوم المشوية خلال فترة الظهيرة، اللحم المشوي، الكباب، الصفيحة وغيرها. عزائم لا تُعدّ ولا تحصى، طلبات الأحد تُطلب قبل أسبوع لتأتي في موعدها المناسب، خواريف وعجول تذبح أمام عينيك وتؤكل على امتداد النهار.

لكن اليوم، مع تغيّر الأوضاع نحو الأسوأ، صام معظم أهالي المنطقة عن تناول اللحمة، وبعدما كانت من الوجبات الرئيسية اليومية داخل المنازل باتت من الكماليات، وتخلت معظم العائلات عن مختلف أنواع اللحوم، من الحمراء وصولاً إلى الدجاج والأسماك. وكل هذا سببه واحد، ارتفاع أسعارها بشكل خيالي ووفق تقلبات السوق السوداء. فكم يبلغ سعر اللحوم اليوم؟ وهل كمية الطلب عليها تراجعت؟ وما الطعام البديل الموجود على سفرة البعلبكي اليوم؟ 

المبيع انخفض بنسبة 50%

أكد علي، صاحب ملحمة في بعلبك، أنّ “الأسعار في تصاعد مستمر والطلب في انخفاض لا يمكن وصفه. وفي السنوات الماضية، كان سعر كيلو اللحمة 20 دولاراً أي 30 ألفاً، أما اليوم ومع ارتفاع الدولار المتواصل أصبحت الـ20 دولاراً ما يقارب الـ500 ألف. وأصبح لحم العجل والغنم متساويين إلى حد ما، والزبون الذي كان يشتري كيلوغراماً من اللحم، بات يطلب نصف كليوغرام، والذي كان يشتري نصف كيلوغرام بات يأخذ أوقية”.

وأشار علي إلى أنّ “المبيع انخفض 50% والملحمة تعتمد على أولئك الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار والذين يأخذون كميات كبيرة من اللحوم على أنواعها، إضافة إلى الطفار الذين ما زالوا يطلبون كميات كبيرة من اللحوم أسبوعياً. لكن الذبح اختلف كثيراً، فبعدما كنتُ أذبح ما يقارب 10 من العجول والماعز يومياً، أصبح الأمر يقتصر على عجل واحد كل يومين أو أكثر”.

ولفت حسن صاحب محل لبيع الدجاج إلى أنه “خلال الفترة الأولى من غلاء أسعار اللحوم الحمراء، كان هناك إقبال كثيف على الدجاج على مختلف أنواعه، لكن اليوم اختلف الوضع تماماً ولم يعد المواطن يطلبها أو يضعها على موائده سوى مرة أو مرتين أسبوعياً، ونسبة المبيع انخفضت ما يقارب 50% أو أكثر. وذلك نتيجة ارتفاع الأسعار بحيث أصبح كيلوغرام صدر الدجاج يتجاوز 140 ألفاً، والفروج الأقل من كيلوغرام 70 ألفاً. ولم نعد نزوّد المحلات التجارية والسوبرماركت بالدجاج بسبب غياب الطلب عليها وبقائها لفترات طويلة داخل البرادات من دون بيعها”. 

“أصبحنا نعتبرها من الكماليات!”

وقالت ربة المنزل سعاد: “الأوضاع لم تعد تحتمل بسبب الارتفاع الهستيري اليومي، وأصبحنا نشتري اللحمة البيضاء أو الحمراء مرة واحدة في الأسبوع. فمن بقدرته شراء نصف كيلوغرام بـ250 ألفاً يومياً؟ ولنفترض أنني قمت بصنع كيلوغرام من الطاووق المسحّب، فسعره تجاوز 110 آلاف، ناهيك بالأغراض التي أحتاجها من توابل وخضار إلى جانبها. إذاً، ما يقارب 200 ألف مطلوب لنأكل كيلوغراماً من الطاووق. ما هذا الهراء؟”.

وتابعت: “عندما أدخل المحال، أغضب بشدة، وحالتي النفسية تتراجع يومياً، بخاصة عندما أعلم بالأسعار الخيالية التي تُطلب. وعندما أريد طهو طبخة يتوسّطها الدجاج، اشتري 500 غرام فقط، لأنني بحاجة إلى نكهة الدجاج. وبهذا نُكثر من الحبوب ونقلل من البروتين بعدما كانت اللحمة العنصر الرئيسي لدينا. أما عن الصفيحة البعلبكية، فمنذ نحو 8 أشهر لم نأكلها. الجسم بحاجة للحوم، لكن أحداً لا يرحمك والرواتب لا تزال على الليرة اللبنانية”.

أما طارق فأكد أنه “منذ نحو ستة أشهر، لم يأكل اللحم المشوي. وفقط يتم شراء نصف كيلوغرام من اللحمة لنستفيد من طعمها في الطعام، وبالنسبة إلى السودة والصفيحة البعلبكية والكباب والكبة، فهي غير موجودة على السفرة منذ فترة طويلة وذلك بسبب الغلاء المستشري”.

وختم: “الأوضاع في تغيّر مستمر ولم نكن نتخيل أننا سنصل إلى هذا السوء. البعلبكي القادر على شراء اللحمة، إما يكون من جماعة المؤسسات غير الحكومية والذي يحصلون على رواتب بالدولار، أو من الطفار الذين تلائمهم هذه الأوضاع المعيشية ويعتبرون أنّ البلد أصبح أرخص من قبل. ويبقى الحمل الأكبر علينا نحن المتعلمين الذين نحصل على رواتب بالليرة ونشتري كل المواد بالدولار. ما هذا الكفر؟”.

من الواضح أنّ هناك جزءاً كبيراً من المواطنين يعيشون أصعب مرحلة يمرّ بها لبنان. إنجازات وهمية يعبّر عنها المسؤولون في ظل أوضاع يصعب وصفها. جسم الإنسان من البديهي أن يتراجع بشكل مستمر بخاصة مع فقدان العديد من الفيتامينات والبروتينات. فمن كان ليتخيل أن نبلغ مرحلة اشتهاء رائحة اللحمة وطعمها؟ ومن كان ليتخيل أن تصبح اللحمة من أمنيات هذا الشعب؟ وكما تقول أغنية الشيخ إمام “هم بياكلو حمام وفراخ واحنا الفول دوّخنا وداخ!”.

شارك المقال