فاتورة المستشفيات “بالفريش دولار”… والاستشفاء للأغنياء!

آية المصري
آية المصري

الأزمات والانهيارات تلاحق المواطن يومياً، فبعد تراجع مختلف القطاعات الإنتاجية استيقظنا على انهيار جديد يتعلق بالقطاع الاستشفائي. فبعد أزمة انقطاع الأدوية ورفع الدعم عنها، دخل الشعب بالمرحلة الأصعب التي لا يمكن وصفها إلا “أنّ المواطن صار يخاف من المرض وذلك بسبب عجزه عن دخول المستشفيات”. فواتير وتكاليف تسعّر بواسطة “الفريش” دولار، وشعب ما زال القسم الأكبر منه يتاقضى راتبه بالليرة اللبنانية، ومع كل ارتفاع في السوق السوداء ترتفع التكاليف والأسعار. فما هو واقع المستشفيات اليوم؟ وما الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه؟ وماذا عن الحلول؟ وهل ستتفاقم الأوضاع أكثر أم أنه من الممكن السيطرة عليها؟

عراجي: لا حل إلا بعد استقرار الوضع السياسي!

وقال رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاصم عراجي لموقع “لبنان الكبير”: “في حال لم يستقر الوضع سياسياً، فالأوضاع لن تتحسن ولا حل إلا بعد هذا الاستقرار، الذي سيجلب معه الاستقرار الاقتصادي والصحي ويحسّن الأوضاع المالية والمعيشية في لبنان. وطالما أنّ هناك عدم استقرار سياسي وخلافات مسيطرة، لن يتحسن الوضع، وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي أصبحت كحكومة تصريف الأعمال تشكّلت واجتمعت أربع مرات، وكل هذا نتيجة تعطيل البعض ورفض الاجتماع إلا بعد تنحّي القاضي بيطار. البلد منهار ولا يمكننا الاستمرار على هذه الوتيرة ويجب الفصل بين الجزء القضائي والجزء السياسي، كما يجب تحسين أوضاعنا مع العالم العربي والمجتمع الدولي”.

واعتبر عراجي أنّ “الأزمات المتلاحقة أثرت سلباً في غياب عدد كبير من الطاقم الطبي من جهة، والطاقم التمريضي من جهة أخرى. علماً أنّ انهيار الليرة اللبنانية هو السبب الأساسي لتفاقم حدّة الأزمات، وخوفنا من فتح أقسام كورونا نتيجة الكلفة المرتفعة على المواطن. وكما قال نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون الكلفة ستكون ما يقارب 10 ملايين في الليلة الواحدة. وبالتالي المريض المصاب وغير المصاب بفيروس كورونا بات من الصعب عليه الدخول إلى المستشفى”.

معظم الفواتير ندفعها “بالفريش”!

وأكد مدير أحد المستشفيات في البقاع أنّ “الأوضاع من سيئ إلى أسوأ نتيجة الأزمات المتوالية وارتباط كل القطاعات بعضها ببعض، ونتيجة لأسعار شركات الأدوية التي تجبرنا على دفع معظم الفواتير بواسطة “الفريش” والأسعار تتغير يومياً مع كل ارتفاع للدولار. إضافة إلى أنّ كل التعاقدات مع وزارة الصحة أو الضمان الاجتماعي أو الجيش وغيرها لا تغطي 10% من القيمة التي ندفعها إلى المستشفى. لا يمكننا مقارنة فواتير السنوات السابقة بتلك الحالية وذلك بسبب الدعم الذي تم رفعه عن الأدوية فعلى سبيل المثال حقنة لوفينوكس كان سعرها 10 آلاف واليوم سعرها 100 ألف”.

وأشار إلى أنّ “أزمة الدولار والغلاء المستشري تؤثر في الشركات التي تبيعنا كل حاجاتنا بالدولار، إضافة إلى أنّ المصروف أصبح أكبر من المردود. والأوكسيجين المشكلة الأكبر، لأنّ الشركات لم تعد تقبل سوى الدفع بالدولار الاميركي، والدعم غاب كلياً. ناهيك بمشكلة المولدات التي نشغلها يومياً ما يقارب 20 ساعة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي المتواصل، وأصبحنا بحاجة إلى 1000 ليتر يومياً، وكل ليتر سعره 14 دولاراً”.

وعن إمكان افتتاح قسم كورونا مجدداً، لفت إلى أنه بات صعباً فتح أقسام، والمستشفيات الخاصة إجمالاً غير قادرة، وذلك يعود لأسباب عدة: “السبب الأول نتيجة الكلفة المرتفعة والمريض سيكون عاجزاً عن دفع ما يقارب 10 ملايين لليلة الواحدة. والسبب الآخر يتعلق بقلة أعداد المصابين، إذ كنا نرى 50 و60 مصاباً في قسم الطوارئ، أما اليوم فنرى مصاباً أو مصابين أسبوعياً ويتم تحويلهم مباشرة إلى المستشفى الحكومي”.

الدعم انخفض والأولوية للمريض السوري!

وأكد طبيب في أحد المستشفيات أنه “في السابق كان روسور القلب مدعوماً بـ85% على مختلف الجهات الضامنة و15% المتبقية يدفعها المريض، وهذا طبعاً على سعر الصرف. واليوم انخفض الدعم من 85% إلى 65%. وعلى سبيل المثال، قصدني مريض منذ فترة وهو مضمون على حساب قوى الأمن الداخلي فتم تركيب روسور له بحالة مستعجلة، ولديه روسور آخر يجب تركيبه وسعر الواحد ما يقارب 1000 دولار. تغطي قوى الأمن الداخلي حسب تغطية الضمان أي 5 ملايين وما زالت هناك فروقات كبيرة. لم يتمكن هذا المريض من تسديد الدفعة الأولى، وكان عليه تركيب الروسور الثاني، فكيف سيؤمن هذه المبالغ؟ والدولار في تصاعد مستمر يومياً، مما ينعكس على الأسعار”.

وأضاف الطبيب: “المستشفيات بدأت تعزيز المريض السوري الجنسية على حساب اللبناني، وذلك لأنّ الأمم المتحدة تغطّي طبابته بالفريش دولار، والحد الأقصى لديها 10 آلاف دولار. وتبقى الفروقات التي يدفعها المريض السوري الجنسية ما بين 500 ألف ليرة ومليوني ليرة، أي أقل من مئة دولار. ومن البديهي أن تكون مصلحة المستشفيات والأطباء مع المريض الذي تدفع له الأمم المتحدة بالدولار، وليس مع مريض وزارة الصحة. وهناك توأم وُضع في أحد المستشفيات لمدة شهر داخل “كوفوز” (Couveuse) وفارق المستشفى بلغ 200 مليون”.

وختم: “هناك عدد من الأطباء لا يقبل البدء بالمعاينة أو بالعملية إلا بعد تقاضي مبلغ من المال يضمن له حقه وتعبه. كذلك الأمر في الحالات الضرورية والطارئة فلا يبدأ الطبيب إلا بعد تسديد المبلغ الذي يطلبه. وعدد كبير من المستشفيات الكبيرة ترفض وتمنع أطباءها من طلب فروقات شخصية”.

ربما قدر اللبناني تحمّل المزيد من الأعباء وربما الانفراج بات قريباً، لكن في حال استمرار النزاعات “والمناكفات السياسية”، فسيخسر هذا الشعب الكثير وأوضاعه ستتفاقم وقد يعجز هذه المرة عن النهوض مجدداً.

شارك المقال