الأزمة الاجتماعية… تبرير للإنتحار؟

آية المصري
آية المصري

“ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل…” عبارة نسمعها مرات ومرات، لكن العمل بها اليوم صار ضرورة ملّحة خاصة بعدما شهدنا في الآونة الأخيرة تضاعف حالات الانتحار في لبنان. الشعب يعيش أزمات متلاحقة وما يكاد ينتهي من أزمة حتى تبدأ الأخرى وجميع القطاعات تنهار نتيجة ارتباطها ببعضها، لكن يجب تفادي الوصول الى مرحلة اليأس الشديد والتفكير الزائد لان الفرد لا يمكنه تغيير اي وضع سائد، فالانهيار لم يعد مرتبطا بك وحدك واصبح مهيمنا على معظم فئات الشعب.

افكار اقوى من الانسان تتغلب عليه وتجعله مكبّل اليدين يعاني من العديد من الأمراض التي توصله الى مرحلة سلوك طريق الإنتحار. وفي الوقت عينه، هناك العديد من حملات التوعية التي تنشر عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المحذرة من الانتحار. جمعيات عديدة متخصصة بالعناية بالصحة النفسية والعقلية تنشر يوميا الكثير من المنشورات الداعية لتجنب الانتحار وزيادة الوعي. خط الحياة 1564 متوفر من الثامنة والنصف صباحا حتى الخامسة والنصف مساء، وفي خدمة اي شخص يشعر للحظة واحدة بأنه عاجز عن التأقلم مع الظروف المحيطة به. فما رأي الجهات المعنية؟ وما الذي يدفع الفرد الى قرار الانتحار؟ وهل من انواع عديدة في الانتحار؟ وكيف يمكننا التخفيف من حدتها؟ 

الاوضاع المعيشية ليست السبب المباشر

اعتبرت المعالجة النفسية ورئيسة جمعية مكّن في بعلبك جيهان الديراني ان “هذه الحالة المهيمنة على المواطن لديها سلبياتها وتداعياتها، في ظل تفاقم الاوضاع اليومية وما تحمل معها من سلبيات على الحالة النفسية عند كل فرد مما يؤدي الى سوء نمط العلاقات الانسانية بسبب كل الضغوط النفسية والتوتر والقلق من المستقبل، لكنها ليست السبب الرئيسي لإيصال الفرد الى الإنتحار”.

وأكدت الديراني ان “الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والازمات الصحية المفاجئة (كورونا) التي يمر بها الانسان تزيد من نسبة الانتحار. والإكتئاب مقسم ثلاثة انواع، الاكتئاب البسيط، المتوسط والشديد. واي فرد مصاب باضطراب نفسي شديد وأمراض نفسية سابقة سيصل الى الانتحار عند أول أزمة يقع بها، لانه يملك المؤهلات النفسية المضطربة التي توصله الى هذه الفكرة والقرار. اما الشخص السوي والذي لا يعاني من اي نوع من الاضطراب النفسي الشديد والذي لديه القدرة على التكيف والتأقلم في ظل هذه الظروف الصعبة قد تنعكس كل الأوضاع عليه سلبا وقد يتأثر بها لكن بعد فترة زمنية محددة سيستطيع التأقلم مع كل الظروف المحيطة به وسيجد الحلول لكل ما يؤثر ويهيمن عليه”.

وأضافت: “الفرد المضطرب عند أول أزمة من دون وجود اي دعم شخصي له سينهار، لذلك يجب الانتباه لبعضنا ودعم أنفسنا، خاصة لان هذه الاضطرابات مرتبطة بحياته السابقة (مرحلة الطفولة، المراهقة…) وذلك بعد تعرضه للعديد من الأزمات كالصدمات النفسية، الاعتداء، التنمر، العنف، موت أحد المقربين، إنفصال الأهل من دون تدارك الاوضاع وغيرها من الاسباب الاخرى. كما يجب ان يهتم الاهل كثيرا لنمط التربية وان يلتفتوا عند تربية اولادهم وان يعوا الاساليب الصحيحة التي تساعد الولد كي يتخطى كل مراحل حياته وان يملك شخصية قوية كي يعيش الى حد ما بسلام من دون اي انزلاقات خطيرة كالانتحار وغيرها من الاساليب الاخرى”.

وختمت: “اذا شعرت بأن الحياة ضاقت بك كثيرا وتفكر في الانتحار اعطِ لنفسك فرصة قصيرة، ويمكنك الاتصال بالشخص الداعم لك او بالجمعيات التي تعمل على حل هذه الازمات كجمعية إمبراس وغيرها”. 

الانتحار مقسم 3 أنواع

من جهتها، شددت الدكتورة في علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية مي مارون على ان “قسم عالم الاجتماع دوركهايم الانتحار إلى ثلاثة أنواع الانتحار الغيري والذي ينتحر الفرد من أجل قضية سامية، يفدي نفسه من أجل الآخرين. الانتحار الاناني والذي ينتحر الفرد عندما لا يقدر أن يندمج في النظام العام، فينهي حياته. والنوع الثالث والأخير الانتحار الانومي اواللامعياري، عندما يحدث اختلال في النظام، وتحدث الفوضى وخاصة في زمن الحروب والأزمات الاقتصادية، ينتحر الفرد لأن الهوة أصبحت عميقة بين ما يطمح إليه وما يستطيع تحقيقه بالفعل. وهذا النوع الأخير ينطبق على حالة الشاب عامر ياغي (الذي انتحر منذ يومين)، والذي اكتشف أن هناك هوة بين طموحه بحياة فضلى، وما بين قدرته على تحقيق تلك الحياة”.

واضافت: “أمام المصاب الجلل انبرى الجهابذة ليحللوا ويلوموا الشاب ويتهمونه بالضعف، الاستسلام، قلة الايمان والتسرع، والى غير ذلك من الأحكام الغبية. مهلا ايها الجهابذة، ماذا تنتظرون من نتائج الأزمة الاقتصادية الخانقة التي دقت كل ابواب اللبنانيين. ففي بلدان العالم الراقية عندما تحدث أزمات جدية يتسارع الاختصاصيون ليساعدوا الناس على تخطي الأزمة. أما عندنا فالازمات ولدت معنا، حروب خارجية وداخلية، إغتيالات، إنفجارات، جوع وأمراض… واذا بقيت الحال على ما هي عليه ستزداد معدلات الانتحار الفعلي، والانتحار المعنوي اليأس وعدم الرغبة بالعيش والانسحاب الفعلي من الحياة”.

وختمت مارون: “الا تعتقدون مثلا أن الناس في ظل هذه الأزمة يتحججون بالكورونا كي لا يتواجهوا، لأن قلوبهم ستنفجر من الجو العام الذي يشوبه بالاجمال اللطم والندب والشتائم والبكاء على الاطلال، والخوف من وحش الغد المجهول. نعم اللبناني يتحاشى التواصل لأن كل الأحاديث المتداولة والاخبار بتحط ملح عالجرح والحبل عالجرار”.

الاوضاع صعبة جدا، ولا احد يمكنه نكران ذلك لكن من الضروري التعبير عن المشاعر واللجوء الى المساعدة من خلال المرشد او المعالج النفسي او الجمعيات المتخصصة بالصحة النفسية لتخطي هذه المرحلة الصعبة، ولا يمكن لاحد تخطي هذا المرض المزمن من دون اللجوء الى داعم من نوع آخر.

شارك المقال