الرشاوى من اعتيادات اللبناني

نور فياض
نور فياض

عمليات سطو، سرقة دراجات نارية وسرقة درابزين كورنيش، تلك مقاطع من حياتنا الواقعية والطبيعية التي تبثها نشرات الأخبار المحلية. هذه اللقطات أو مقاطع الفيديو تحاكي الوضع الذي يعيشه المواطن اللبناني في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد بسبب “الانجازات” العديدة وغير المرئية لرأس الهرم والتي لا يراها سوى حاشيته.

675 الف ليرة لبنانية أي ما يوازي 25$ ومليون و100 ألف أي 40$؛ الأول هو الحد الأدنى للأجور، والثاني هو راتب جندي، وهما لا يكفيان اليوم لشراء الحاجيات الأساسية لأي عائلة. فغياب الدولة وفشل سياساتها وعقلية اللبناني المعتاد الحصول على حاجاته بسهولة إضافة إلى أسباب أخرى جعلت من الرشاوى رمزا لغالبية المؤسسات.

يؤكد رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان جان جبران لـ”لبنان الكبير” أنّه “في ظل الأزمة التي يعيشها المواطن اللبناني بات الموظف يستقبل الهداية بكافة أنواعها، لذلك أطلب منهم عدم الحضور الى العمل في حال عدم توفر المال، فالبلد منهار ولا يتحمل هفوات أخرى، وغدا ستظهر الحقائق والآدمي بيبقى والأزعر بفل”.

واستنجد جبران بالمثل القائل “عم احكيكي يا كنة تتسمعي يا جارة، ليحذّر موظفيه من ارتكاب هكذا أنواع من الفساد موجها لهم رسالة: في هذه المرحلة الصعبة والقاسية التي تمر بها البلاد عامة والمؤسّسة خاصة، لا يجب ان نستسلم للإحباط على الرغم من ضعف الإمكانات والمستقبل الغامض، فنحن مؤتمنون على خدمة الناس في ظروف سيئة تعاكس طموحاتنا”.

وأضاف: “من المعيب جداً ان نفرض ضرائب او بدلات مالية على المواطنين لخدمتهم، على الرغم من المعاشات التي باتت متواضعة. إن ظاهرة تفشي طلب الرشوة هي امر خطير جداً، يقدم عليه عدد كبير من العاملين في المؤسسة، وذلك بطلب مبالغ مالية مقابل خدمة يجب ان تكون مجانية”. وأكّد أن “هذا السلوك السيء مرفوض جملةً وتفصيلًا، وسيُعَرِّض فاعله الى عواقب وعقوبات وفقاً للقوانين، تصل إلى حد الطرد من العمل، افلا يكفينا ما نحن فيه، فالمؤسسة والوطن يمرّان اليوم في ازمة كبيرة، لكن لا بد من نهاية للنفق المظلم”.

وختم رسالته: “من واجبنا مساعدة وخدمة الناس مجانًا لاننا مؤتمنون على الخدمة”.

في السياق عينه، يؤكد الخبير والباحث في الحوكمة ومكافحة الفساد الدكتور سعيد عيسى لـ”لبنان الكبير” انّ “قيمة الرشاوى السنوية للموظفين في مختلف القطاعات تبلغ حوالي 5 مليارات دولار، وهذه النسبة لا تزال ترتفع خاصة في ظل الأزمة التي يواجهها لبنان”. ويشير عيسى الى انّ “الفساد بدأ يتفاقم خلال وباء كورونا لان بعضهم يرتاد مكان عمله مرة او مرتين في الاسبوع بناء على طلب ما او لإنجاز معاملة مدفوعة سلفا.”

ويتابع: “استنزاف المواطن هو من التأثيرات المترتبة على الرشاوى أي ان كلفة المعاملة تزداد، فمثلا اذا كانت المعاملة بحاجة الى 4000 ليرة طوابع، ينجزها بسرعة لكن تصبح الكلفة 100 الف. استغلال النفوذ هو أيضا من التأثيرات التي تنتج عن الرشاوى والتي تلحق الضرر بالاقتصاد الوطني الذي ينهار تدريجيا”.

ويضيف: “يمكن للرشوة ان تزيد من التوزيع غير العادل للثروة، فإذا المرتشي يتقاضى مبلغا معينا عن معاملة ما هو بالتالي يضاعف مدخوله بغير حق والنصبات الكبيرة تؤمّن ثروات هائلة تؤدي الى اختلال مجتمعي وتفاوت بين الطبقات مثل ما يحدث مؤخرا في لبنان الذي يحتل المراتب الاولى للبلاد الأكثر فقرا، ويؤدي ذلك الى هوّة مجتمعية تتسبّب بتعاطي المخدرات والإتجار بالممنوعات والسرقة، فنصل الى مشاكل إجتماعية يصعب السيطرة عليها في المدى القريب ويتحول المجتمع الى مجتمع مسمّم”.

ويؤكد عيسى: “الرشوة غير مرتبطة بالأجور فهي كانت تحدث منذ كان الموظف يتقاضى راتبا جيدا ومنذ كانت الحالة الاقتصادية بخير، فالعقلية اللبنانية هي من اسس الفساد لان اللبناني يريد معاملته “كن فيكون” ويتكبّر على الانتظار والوقوف في الصف. علما أن الشكل السياسي الذي يتخذه البلد، يشجع على الفساد”. ويعتبر عيسى ان عدم تحديد وقت وتوقيت لإنجاز المعاملة يؤدي الى تفاقم هذه الأزمة.

وعن الحلول لتفادي ازمة الرشاوى والفساد يقول عيسى: “على المدى الطويل يمكننا الحد منها من خلال المراقبة المباشرة وغير المباشرة والحل الأهم هو ان نتحول الى حكومة إلكترونية فتنجز المعاملة عن بعد وتقدّم في الدائرة التي نريد او عبر المواقع الإلكترونية”.

في البلد الذي تثقل المحاصصة السياسية والطائفية كاهله لا يمكن اتمام اي معاملة. ولبنان هو المثال الحقيقي الذي تنطبق عليه الجملة المذكورة اعلاه، اذ ان صرخات المواطن تعلو عند كل امتحان في المؤسسات العامة أو مجلس الخدمة المدنية، فالناجح ليس بالضرورة هو من يتمتع بكفاءة عالية او متوسطة، يمكن ان يكون راسبا في الكفاءة ومتفوّقا بالحصول على الغطاء السياسي او ما يعرف بـ”الواسطة”.

وبعد التوظيف يطمئن موظف الواسطة إلى ان احدا لن ينال منه ان كان من حيث المساءلة او من حيث العقاب، فينتج عن ذلك جريمة ثلاثية يرتكبها المرتشي والراشي وجهات الرقابة التي تصرف النظر عما يتواطأ عليه العاطي والآخذ.

بين موظف الواسطة المحمي سياسيا، وموظف الفقر الذي يسعى الى قبول الرشوة معتبرا انه لولاها لكان مات جوعا، دُمِّرت اخلاق المجتمع وفُقدت الثقة بمؤسسات الدولة. فهل ستبقى الرشاوى ثقافة عامة في ظل انهيار الدولة وغياب الرقابة خاصة ان كبار المسؤولين السياسيين هم المروّجون والداعمون لها؟

شارك المقال