كورونا وسلبياته على الأولاد!

آية المصري
آية المصري

لم يكن سهلا التأقلم مع فيروس كورونا الذي أنهك معظم شعوب العالم. فيروس ليس من السهل التخلص منه، وإمكانية الاصابة به كبيرة الى حد ما. اعتقد المراقبون والباحثون والاطباء انه سيتسبّب بأزمة عالمية قصيرة لكن مدته تجاوزت الوقت المحدد وبات متواجدا بشكل شبه دائم في تفاصيل حياتنا اليومية. كان تأثيره كبيرا في كافة المراحل وأوقف الحياة الاقتصادية والمعيشية كما أثر سلبا في الحياة الاجتماعية واليومية وفرض على الناس نوعا من الانعزال.

والنقطة الاهم اليوم مدى تأثير كورونا في صغار السن، فانعكاسه على الكبار صار واضح المعالم لكن ما هي آثاره على الاولاد من الناحيتين النفسية والاجتماعية؟ وهل بات الأولاد لا يعون طريقة التعاطي مع بعضهم نتيجة التواصل والتعلم أونلاين؟ وما تداعياته على الاولاد خاصة بعد عودة التعلم الحضوري في المدارس؟ 

صراع بين الواقع والعالم الافتراضي!

اعتبرت الدكتورة في علم الاجتماع اديبة حمدان ان “جائحة كورونا تغطي الحياة بكاملها وشكلت خطرا على كبير السن والصغير، على المريض وغير المريض. يمكن ان نعتبر أن التأثير على الاولاد لا يمكن عزله عن التأثير الكبير الذي أصاب الأهل، وموضوع السلوك عند الأولاد مصدره المنزل ووسائل التواصل الاجتماعي، والمدرسة، والرفاق، والحي. اذا عملية التنشئة أصابها شيئا من التعثر اثر كورونا لان هذا الجو، الدينامية والسيرورة في التنشئة توقفت وتغير وقعها، وبالتالي توقف الاولاد عن الذهاب الى المدارس وأصبحت الحياة من خلال شاشات التعليم والتعامل مع الآخرين عن بعد”.

وأشارت حمدان الى ان “الاهل همهم الوحيد حماية اولادهم والاحتماء في المنزل من خلال عدم إرسالهم الى اي نشاط او الى المدارس. وبدأ التعاطي بين الاهل والاولاد في المنزل بمعزل عن اي إحتكاك مباشر، واقعا حقيقيا وملموسا لهم مع العالم الخارجي وهذا سيشكل تغييرا أساسيا في السلوكيات. بات الولد يتلقى الافكار والمعتقدات من أهله وهذا امر جيد، ويتلقى في الوقت عينه القيم والعادات والسلوكيات من خلال الشاشات فعاش في عالم إفتراضي من المدرسة الى الانشطة والصداقات وغيرها. وكل هذا يضع الأولاد في صراع بين الواقع والعالم الإفتراضي مما سيشكل لديهم سلوكيات وتعاطٍ جديد مع المحيط بدءا من الاهل في المنزل وصولا الى الآخرين”.

ولفتت الى ان “كورونا أحدث خللا في عملية التنشئة، ووجدنا صورة جديدة للمدرسة والمعلم والمتعلم، والصغار أصابهم تغييرا كبيرا في العملية التربوية ومن الصعب إتمام هذه العملية بمعزل عن الأهل. وهنا الضريبة دفعتها الأمهات من خلال تواجدهن مع أولادهن لتلقي المعرفة من خلال الدروس التي ترسلها المدرسة. وهذا النمط والأسلوب الجديد غيّر صغارنا وأسلوب عملهم، وهذه العملية التربوية ليست بسيئة لكنها بحاجة الى إعداد من جميع الأطراف كي نكون مؤهلين لهذا النوع من التعليم والتربية”.

وتابعت حمدان: “بعد اندماج صغار السن في المدرسة اصبحوا بحالة جديدة ويملكون الشكلين، الشكل الافتراضي عن بعد والشكل الواقعي وهذا سيزيدهم وعيا وتفتحا في ذهنيتهم. من هنا اصبحنا نجد صعوبة في تربية الاولاد، لاننا اذا ربيناهم على الاسلوب الكلاسيكي لن ننجح وعلينا الإلمام بهذه المستجدات بسرعة وتغيير سلوكياتنا معهم وتغيير الأسلوب للوصول اليهم. والا ستكون شكلا من اشكال الضياع في التربية وسيكون لدينا شباب في المستقبل غير رصينين اجتماعيا وعلميا. واذا تداركنا هذه التغييرات نستطيع ان نحد من الآثار السلبية للجائحة في نفسيتنا ونفسية أولادنا وايضا في ادائنا وفي شخصية الاطفال الذين سيكونون رجال المستقبل”. 

الأولاد منغلقون لا يعون كيفية التعاطي

وأوضح الدكتور في علم النفس أنطوان شرتوني انه “بعد الاقفال العام والانغلاق الاجتماعي الذي شهدناه في المنازل والذي عاشه الاولاد، وبعد توقفهم عن اللعب والتواصل مع رفاقهم انعدم التواصل الاجتماعي. وكل هذه التصرفات تؤثر كثيرا على عدّة صعد، وبالتالي يصبح الولد منغلقا لا يدرك كيفية التعاطي مع الآخرين، مما يؤدي الى الإكتئاب او الحالات النفسية الصعبة جدا. وبالتالي نلاحظ ان الطفل لديه مشاكل وحالة من عدم القدرة على التأقلم مع أولاد من عمره ونلاحظ تصرفات غريبة وعدوانية تجاه الآخرين الى حد كبير”.

وأكد شرتوني ان “فيروس كورونا ساهم في إبعاد الأولاد عن بعضهم، والتواصل الاجتماعي بات سيئا لانه إقتصر على التواصل عبر شاشة الكمبيوتر او الجهاز الخليوي. وهذا ما أثر في جميع من دون اي إستثناء، مع العلم ان هناك جزءا من الأهالي تداركوا الأوضاع وأصبحوا يقومون بألعاب داخلية في المنازل أو في الحدائق المنزلية، وهذه التصرفات تساعد لكن لا يمكننا إستبدالها بتأثير لعب الاولاد مع بعضهم نظرا لأهميتها”.

وختم شرتوني: “نشكر الله ان وزارة التربية والتعليم العالي فتحت ابواب المدارس في العالم لانهم رأوا الحاجة الضرورية لعودة التلميذ، بعد عام ونصف في المنازل مما ساهم في التأخر المدرسي. ومن المهم جدا ان نشعر صغار السن بأهمية وأساسية العودة الى التعليم الحضوري، ويجب النظر في النشاطات التي ستقوم بها المدارس وإعادة انخراط الجميع بالمجتمع من جديد”.

يبدو ان جائحة كورونا غيرت العالم بأجمعه وبدّلت الكثير من العادات والتقاليد. لم ترحم كورونا كبار السن وأنهت حياة الكثيرين، كما انها لم ترحم صغار السن وساهمت في إضفاء أنماط حياتية وتربوية جديدة على سلوكياتهم.

شارك المقال