طرابلس: دعوة مفتوحة إلى إدمان المخدّرات!

إسراء ديب
إسراء ديب

وقع الشاب محمّد ع. (22 عامًا) ضحيّة “مصيدة” نصبها بعض المدمنين لكلّ من يمرّ بطريق باب الحديد في طرابلس (بالقرب من جسر نهر أبو علي)، فهذا الشاب الذي قرّر زيارة خطيبته في المنطقة لساعتيْن برفقة صديقه عدنان، لم يتوقّع ظهور مجموعة من الشبان أشهروا الأسلحة فوق رؤوسهم ليُهدّدوهما بالقتل وهم تحت تأثير حبوب الهلوسة، وفق ما يقول محمّد لـ”لبنان الكبير”.

إنّ الشبان الذين يحملون أسلحة “كلاشينكوف” وغيرها من الأسلحة الخطيرة، لم تكن حالهم طبيعية أبدًا، مما أثار خوف الشابين الذين أخطآ حين خرجا ليلًا وتحديدًا عند الساعة 11 مساءً، وهو توقيت يستغلّه الكثير من الأفراد الذين يرون أنّ الخروج بعد المغرب في الأزقة والأحياء الشعبية “محرّم” على الكثير من النّاس، وفي بعض الأزقة يخشى الكثير من النّاس الخروج بدءًا من ساعات العصر حيث تنتشر الكثير من العصابات الثابتة والمتنقلة في الشوارع، للسرقة والتشليح.

الإدمان: دعوة مفتوحة للضياع

محمّد الذي كان يحمل سلاحًا مرخصًا لوالده، خرج عبر الدراجة النّارية التي يملكها عدنان، وفي طريقهما وجدا هذه العصابة، التي أمسكتهما وسألتهما عن سبب احمرار عينيهما، إذ قال قائد هذه الشلّة التي كانت تتخذ من أحد المقاهي الشعبية مركزًا لها: “يبدو لي أنّكما مدمنان”، وعندما أنكرا، أضاف: “لمَ لا تُدمنان على هذه الحبوب (التي يحتفظ فيها بيده)، عليكما بها لأنّها تزيد من تركيزكما وتزيد من قوّتكما الجنسية.”

ضحك الشبان (أعضاء هذه العصابة) بعد هذا الكلام الذي يبدو أنّهم مقتنعون به، لكنّ محمّد لم يتجرّأ أبدا على استخدم سلاحه خوفًا من محاولة تصفيته مع صديقه الذي “لم يكن ذنبه سوى أنّه وافق على مرافقته ليلًا”. وبعد تفتيشهما كمحاولة للبحث عن الأموال، اكتشفوا وجود السلاح في جيب محمّد، مما دفعهم إلى التراجع عن التهديد وتراجعت معه أيضًا حدّة النزاع، فصادروا “الدراجة النّارية بالإضافة إلى السلاح الذي يصل ثمنه إلى ألف دولار أميركي”، ثم أطلقوا لاحقا سراح الشابين اللذين لم يُصدّقا أنّهما على قيْد الحياة حتّى هذه اللحظة.

ويقول محمّد أنّ أولئك الشبان تتراوح أعمارهم ما بين الـ 15 عامًا والـ 20 كحدّ أقصى إذا صحّ تقديره، لكن في كلّ الحالات لا يُمكن أن نعتبر أنّ هذه الحادثة هي الأولى من نوعها تحصل في طرقات طرابلس لا سيما الشعبية منها، ولن تكون الأخيرة بالتأكيد، خاصّة في ظلّ استغلال المافيات لمداخل ومخارج بعض الطرقات للسيطرة عليها ونشر الفساد فيها مع غياب هيبة الدّولة وتراجع قوّة ونفوذ عناصرها في الآونة الأخيرة.

التصدّي لآفة الإدمان واجب

منذ أعوام عدّة وتحديدًا بعد انتهاء مرحلة الاشتباكات العنيفة بين جبل محسن وباب التبانة، تأسست جمعيات وأطلقت حملات مختلفة لمحاربة هذه الآفة (على قدر المستطاع)، ومنذ أشهر ارتُكبت جرائم قتل عدّة، ارتبطت بشكل رئيسي بالإدمان الذي انعكس على حالة الضحية المرتكبة للفعل نفسيًا وعقليًا، لكن لم تتحرّك الأجهزة الرسمية المعنية بضرورة التصدّي لها بكلّ طاقتها حماية لأبناء الوطن.

لكن وفق مصدر أمني فإنّ “مواجهة هذه الظاهرة ليست سهلة على الإطلاق لأنّها باتت ملتصقة جدًا بمجتمعاتنا، وكان لا بدّ من التصدّي لها قبل انتشارها بهذا الشكل الذي نرصده حاليًا، لكنّنا نراقب باستمرار تارة، ونتدخل تارة أخرى لكن لا حلّ جذريّ لهذه الأزمة التي استغلّت الضعف الاقتصادي والحروب الكبرى في المنطقة المحيطة بنا أيّ في سوريا التي تُعاني أيضًا ممّا نُعانيه، وفي الواقع إنّ المدمنين وتجار المخدّرات يُحاولون نشر هذه الآفة عبر إقناع الضحية بانعكاساتها عليْه إيجابًا، فهم يزعمون أن حبوب الهلوسة تُساهم في التخفيف من الضغوط، أو تزيد من القوّة الجنسية، أو أنّها تزيد من حدّة التركيز…، وغيرها من الأقاويل التي لا تمتّ للحقيقة بصلة”، مضيفًا: “الجهات المستفيدة من نشر هذه الآفة كما هي موجودة في سوريا لتزيد من مستوى الجريمة هناك، فهي موجودة في لبنان أيضًا، ونخشى أن تصل إلى الهدف الذي ترغب في دفع شباننا إليْه”.

ويُمكن التأكيد، أنّ معظم الشبان الذين انخرطوا في هذه الدوامة أو رفضوا الدخول بمتاهاتها من الأساس، قد تعرّضوا مسبقًا لمغريات تدفعهم إلى الدخول في معترك الإدمان القاتل. كما أنّ الموزعين والتجار لهذه المواد (وهم من جنسيات مختلفة)، تختلف أساليبهم في العرض حسب الطبقة الاجتماعية التي تنتمي إليها الضحية، لكن نظرًا لكون الطبقة الفقيرة جدًا هي الغالبية في المدينة، فإنّ الإقناع بات سهلًا للغاية، حتّى أنّه لم يعد يقتصر على الكبار فحسب، بل يصل إلى صغار السنّ أيضًا الذكور منهم والإناث، حسبما يروي بعض الأفراد لـ “لبنان الكبير”.

شارك المقال