مقاومة البرد القارس شمالًا: الحلّ بالدعاء!

إسراء ديب
إسراء ديب

تبحث إم عبد الرحمن ع. (84 عامًا) عن زاوية دافئة تقيها شر البرد القارس في منزلها الذي يقع في الطبقة السابعة من أحد الأبنية في منطقة الزاهرية – طرابلس، فهذه السيّدة التي لا تتمكّن من تحمّل درجة الحرارة المنخفضة التي نشهدها في الأيّام الأخيرة في لبنان، حُرمت من المدفأة الكهربائية التي كانت تُساهم في تخفيف وطأة هذا الطقس القارس بعد حريق كبير نشب في مدخل بنايتها أدّى إلى احتراق كلّ ساعات الكهرباء والمولّدات، وبعد تأخر صاحب الاشتراك عن إجراء إصلاحاته اللازمة، تعيش هذه العجوز أيّامًا عصيبة تُواجه فيها هذا الطقس القاسي.

لا يُمكن إغفال عمر هذه السيّدة الذي لا يسمح لها بتحمّل المنخفضات الجوية وموجات الصقيع المستمرّة منذ أيّام، الأمر الذي يدفعها إلى جمع مختلف أنواع الأقمشة لتضعها على جسدها وجسد زوجها الذي تمنعه ظروفه المعيشية والصحية من شراء “الدقّ” الذي بات سعره مرتفعًا أيضًا مقارنة بالأعوام السابقة التي كانت تشهد تراجعًا في الطلب عليه، لكنّه يعود اليوم إلى الواجهة مجدّدًا لكن يا دقّ “مين يشتريك؟”.

إنّ قساوة موجات الصقيع، باتت تُواجه فعليًا كلّ منزل طرابلسيّ، وكلّما توجهنا إلى الداخل الطرابلسي أكثر، كلّما كانت حدّة هذه الموجات تُثقل كاهل المواطنين أكثر، وهذا ما لا يُخفيه أبو ربيع (من سكّان القبّة) الذي تجتاح الرطوبة كلّ منزله، ولا سيما غرفة الجلوس التي يعجز عن إغلاق نوافذها بسبب تعرّضها لأعطال عديدة تجعله عرضة وأولاده الـ 5 إلى البرد المسيطر على أرجاء منزله كافة، ومع اتخاذه القرار بإزالة الاشتراك بسبب غلائه، يُحرم هذا المواطن الذي يعمل في أحد المقاهي من إنارة المدفأة التي لا يملكها من الأساس، ويُحرم أيضًا من شراء الدقّ أو الفحم المتكسّر، مما يجعله عرضة لنزلات البرد والأمراض التنفسية المختلفة.

إنّ أبو ربيع (55 عامًا) الذي يسكن على سطح قديم، يُحاول اليوم البقاء فيه كيّ لا يُصبح وأولاده في الشارع، ومن المعروف أنّ العيش على السطوح يجعل محيط المنزل أكثر برودة وهو غير قادر على مقاومتها.

وبما أنّ الدّولة غائبة عن الصورة، نشرت بعض صفحات المواقع الإخبارية وكذلك التواصل الاجتماعي مجموعة من الأدعية خصّصت لتقيهم هذا البرد القارس، معتبرة أنّ دعاء الفقراء والمساكين واليتامى الذين يرزحون تحت وطأة كلّ الأزمات، مستجابًا في هذه الظروف القاهرة، وهو ما لا يرفضه أحد لكنّه يُشير فعليًا إلى أنّ اللبناني بات لا حول له ولا قوّة.

أسعار الدقّ مرتفعة

وفي جولة لـ “لبنان الكبير” لمعرفة أسعار الدقّ، يُمكن القول أنّ سعر “شوال” الدق بات يُقارب إلى حدّ كبير سعر جرّة الغاز، إذْ يبلغ سعره 300 ألف ليرة في بعض المحلّات وقد يتجاوز هذا السعر في محلّات أخرى، ومن حيث الكمّية فهو لا يتجاوز الـ 10 كيلوغرامات وقد يكون أقلّ، أمّا الكيلو الواحد فثمنه 25 ألف ليرة، مع العلم أنّ سعر “الشوال” قبل أعوام كان يبلغ 25 ألف ليرة.

الضنّية وعكار: الحال الجوية لا ترحم

إن كان ما يُواجهه الطرابلسيون قاسيًا، فحال اللبنانيين في الضنّية وعكّار هي أقسى نظرًا لانخفاض درجة الحرارة الكبير الذي يجتاح منازلهم.

ومع أنّ السياحة تنشط (ولو بنسبة قليلة) في هذه المناطق مع رغبة البعض ولا سيما المغتربين بزيارة بعض منتجعاتها كتلك الموجودة في القمّوعة مثلًا، إلا أن القاطنين في هذه المناطق يُواجهون صعوبات في تأمين مادّة المازوت التي يرتفع سعرها أسبوعيًا ومؤخرا يوميا، فضلًا عن انقطاع الكهرباء المستمرّ أيضًا الذي جعل الأهالي أمام حائط مسدود خاصّة مع الارتفاع الجنوني لأسعار الحطب.

كما تواجه بلديات مختلفة شمالًا أزمات اقتصادية لا تسمح لها بإصلاح أيّ عطل أو أيّ مساعدة لتتدخل في الأزمة بالشكل المطلوب، إضافة إلى استغلال الكثير من أصحاب المولّدات هذه الأزمة، ولا سيما في المناطق الجبلية المرتفعة التي ستكون على موعد مع استمرار الصقيع بأمطار وثلوج وانخفاض واضح في درجة الحرارة (6 درجات تحت الصفر) ليلًا وعلى ارتفاع 800 متر، وفق بيان مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية.

أمّا ريّان (23 عامًا) وهو يعيش في بخعون، أكبر بلدات الضنية، فيصف لـ “لبنان الكبير” حجم الصعوبات التي يُواجهها يوميًا بسبب تعرّضه لضغوط يخشى بسببها على صحة والدته التي تُعاني من مرض مزمن في عظامها يجعلها في خطر دائم من احتمال تعرّضها لهذا الطقس البارد.

ويقول: “أشكر الظروف أحيانًا التي جعلتني أعمل لدى صاحب أحد محطات المحروقات الذي يُساعدني دائمًا على تأمين المازوت للـ”صوبيا” التي لا يمكن لأمّي العيش من دونها، لكن أخشى بالتأكيد من أيّ ثغرة تجعلنا بمواجهة مشكلة في تأمين هذه المادّة كما حصل منذ أشهر، وهو أمر صعب لأنّني غير قادر على تحمّل مسؤولية المستشفيات وأعبائها المالية الضخمة”.

شارك المقال