تعرفة النّقل في طرابلس: لمن استطاع إليها سبيلا!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يتوقّع أبو مازن (56 عامًا) الذي يعمل في ساحة التلّ الطرابلسية أن يضطر إلى الاتجاه نحو بلدة القلمون سيرًا على الأقدام، وذلك نظرًا إلى عجزه عن دفع بدل النّقل من ساحة النور إليها، والذي بات يصل إلى 15 ألف ليرة أو 10 آلاف (بعد الكثير من الشروط والأخذ والردّ)، وقد يصل أحيانًا إلى 20 ألفا عند بعض السائقين الذين قد يستغلّون التوقيت والظروف التي يُواجهها بعض سكان هذه البلدة وغيرها شمالًا، ضاربين عرض الحائط الحال المعيشية التي أقلّ ما يُمكن أن يُقال عنها بأنّها “تعيسة”.

ولأكثر من ساعة، تمكّن أبو مازن من الوصول إلى منزله، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “عندما ندفع بدل الإيجار مع الاشتراك الكهربائي سنكون على (الحديدة) قطعًا مع ديون ضخمة تتراكم علينا في ظلّ هذه الأوضاع الصعبة التي حرمتنا حتى حقّنا في التنقّل مع سائقي الأجرة، مع العلم أنّنا قد نضطر إلى الانتقال عبر الحافلات لندفع 10 آلاف أو 5 آلاف عند بعض الشركات، لكن بالتأكيد لا نصل أمام منازلنا بل على مدخل القلمون -الأوتوستراد، لنضطر إلى السير بعدها”.

ليست المرّة الأولى ينتقل أبو مازن سيرًا إلى منزله البعيد، بل كان قد كرّرها سابقًا لأكثر من 3 مرات بعد قطع المحتجين طريق البالما أو البحصاص، أو بعد تأخره في عمله ليلًا، رافضًا استغلال هذه الظروف من قبل بعض السائقين لأنّهم يطلبون ثمنًا مضاعفًا، وهو كغيره من المواطنين عاجز عن دفعه.

ولا يلوم إسماعيل الذي يعمل في بيروت لأربعة أيّام وأحيانًا أكثر، السائقين أو الشركات العاملة في النّقل، فهو ينتقل من ساحة النور إلى الكولا عبر الفانات ويدفع لهذه اللحظة 70 ألفا كمجموع هذه الرحلة التي باتت ترهقه نفسيًا كما تُرهق كلّ الموظفين الذين يُواجهون تدنيًا وثباتًا في مستوى معاشاتهم لا سيما القطاع العام والقوى العسكرية، التي باتت تنتظر على الطرقات كلّ سيّارة خاصّة متوجهة إلى العاصمة وغيرها من المدن عساها تُساهم في إيصال العناصر إلى مكان خدمتهم أو منازلهم، في مشهدٍ مأساويّ يلجأ فيه ابن الدولة البار إلى الـ “أوتو ستوب”.

شركات النقل الطرابلسية: نحن في أزمة!

منذ سنوات، تعمل شركة “كونكشن” للسياحة والنّقل بيْن طرابلس وبيروت على إجراء الكثير من العروض لجذب زبائنها الذين اعتادوا طريقة التعامل والاهتمام الذي يلقونه منها، لكن مع شدّة الأزمات الاقتصادية والظروف المعيشية يُعبّر لؤي حربا صاحب هذه الشركة عن صعوبة الواقع الذي تُواجهه الشركة مع أزمة الدولار وغلاء المازوت.

ويقول لـ “لبنان الكبير”: “صبرنا كثيرًا على أهل البلد والطلاب وحافظنا على مستوى خدماتنا والرقم المطلوب ولقد رفعنا الأسعار وصولًا إلى 50 ألف ليرة، لكن لا طاقة لنا اليوم ولا نية لنا برفع هذه التعرفة خشية على زبائننا وإدراكًا منّا لقساوة الوضع، وفعليًا نحتاج إلى دعم الدّولة ومساعدتها لكن نحن شركة خاصّة ونظامية، وكنّا قد واجهنا كلّ الأزمات مما اضطرنا إلى تقليص عدد الموظفين كما السائقين إلى 5 وهم يُطالبونني وهم محقّون بدفع رواتبهم بين الدولار والليرة، وبما أنّنا نملك 26 (نمرة) حمراء، نستخدم اليوم 7 منها فقط، فكلفة المازوت من طرابلس إلى بيروت تصل إلى مليون و200 ألف ليرة للحافلة الواحدة، وفي الواقع نحاول تحويل بعض أموالنا من الليرة إلى الدولار لأنّنا ندرك ارتفاع سعر المازوت في السوق وشحّه أيضًا حاليًا، عدا عن الإصلاحات التي ندفعها بالدولار وغيرها من المسؤوليات الصعبة ولا ندرك إلى متى يُمكننا الاستمرار بها، وهذا يعود إلى الواقع السياسي والمالي في البلاد”.

وعن احتمال رفع التعرفة إلى 70 ألفا، يُضيف: “أرفض رفع التعرفة وأحاول الحصول على مردود قدر الإمكان تعويضًا للخسارة، لكن للأسف نواجه تراجعًا في عدد الزبائن الذين قد لا يتجاوزون الـ200 راكب في اليوم كلّه، خلافًا لواقعنا مسبقًا الذي تُقابله فوضى في مواقف الفانات التي لا تُعد قانونية أمام مركزنا في ساحة النور، ونحن ندفع ثمن الأرض التي نعمل منها قانونًا، فيما يعمل الآخرون ضمن الفوضى”.

من جهته، يلفت محمّد الأبيض المسؤول عن شركة الأبيض للنقليات إلى معاناتهم من الأزمة، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “تراجعت نسبة الزبائن 50 بالمائة، خصوصا الموظفين الذين تراجعت نسبتهم أيضًا”.

وإذ يُشدّد على صعوبة الاستمرار في حال تدهور الأوضاع بهذا الشكل لسنة إضافية، يُؤكّد أنّ الأسعار تبقى غير ثابتة وقد تصل إلى 70 ألفا نظرًا لغلاء المازوت الذي يصدر سعره يوميًا بالدولار وعدم ثباته، لافتًا إلى أنّ القطاع الخاصّ بات الأكثر ثباتًا في توجهه إلى العاصمة خلافًا للقطاع العام.

شارك المقال