وزارة صحة أم وزارة موت؟

مروة علي
مروة علي

في كل رمضان أعتدنا أن تُصدّر لنا بغداد المزيد من أخبار الموت، ولك أن تختارها بنكهة إهمال حكومي أو بانتحاري أو بسيارات مفخخة أو عبوة ناسفة… لن تختلف النتيجة كثيراً فكلها تؤدي إلى الموت الذي بات قدراً للعراقيين في كل المواسم، حتى أصبح لهم من الأخبار المعتادة التي تحزنهم لساعات معدودة ثم ينسونها وينشغلون بكارثة أخرى.

هذه المرة كان المصدر وزارة الصحة أو “وزارة الموت” كما يُسميها العراقيون، إذ ما إن يدخلها مريض حتى يخرج منها ميتاً، إما بسبب الإهمال أو الأخطاء الطبية أو قلة الرعاية أو بنقص الخدمات الطبية… أكثر من 85 قتيلاً وعشرات المصابين كانوا ضحايا إهمال تسبب بانفجار أسطوانة أوكسجين، في مستشفى مخصص للحجر الصحي لمرضى كورونا في بغداد أدت إلى موتهم حرقاً، حيث لم يكن كافياً إبتلاؤهم بالفايروس اللعين ليحرقوا بالنار!

رئيس الوزراء العراقي اتخذ إجراءات لامتصاص غضب الناس… تحقيق من هنا وإيقاف عن العمل لمن لهم علاقة بالحادثة إدارياً وكأنهم هم المسؤولون الوحيدون عن هذه الكارثة من دون النظر إلى الفشل الكلي في العمل الحكومي والوزاري خصوصاً

كيف تدهور أحد أفضل الأنظمة الصحية في العالم العربي حتى وصل إلى هذا الحد؟

كان النظام الصحي في العراق يعتمد على تخصيصات حكومية مركزة في هذا القطاع لمدى أهميته، وعلى نظام مستشفيات متطور ومجاني، وعلى استيراد أحدث الأجهزة والمعدات الطبية إضافة إلى توفر خبرات طبية عراقية ممتازة.

بدأت مشكلات هذا النظام مع فرض العقوبات على العراق بعد حرب الخليج وتعاظمت بعد احتلال العراق 2003… حيث عانى هذا النظام من ظروف الحصار المريرة وثم من نظام المحسوبيات الذي أتت به الأحزاب بعد الاحتلال ، وصار اختيار أغلب الموظفين لمناصب مهمة في الوزارات على أساس انتمائهم السياسي وليس لكفاءاتهم أو خبراتهم .

هذا الأسلوب في التوظيف تبعه حتماً فساد إداري وضعف في الرقابة والتستر عليها وغياب التصرف العقلاني وإساءة استعمال الأموال العمومية وإهدارها في غير محلها. وأصبح سوء التصرف والفساد ينهش عموم المؤسسات الحكومية وطاول مشاريع البنى التحتية وعقود البناء وإدارة مهن الطاقم الطبي، وبالتالي لم تخضع الكثير من المستشفيات لأي صيانة أو تجديد منذ عقود. وما جاءت به الحكومة من مشاريع طبية إنشائية جديدة أو ترميمية شابها الفساد والتلاعب في الأرقام والمبالغة في الميزانية بمواصفات رديئة.

يضاف إلى ذلك، هجرة الأطباء والكفاءات العلمية نتيجة عدم تقدير جهودهم من قبل الدولة التي تدفع لهم رواتب متدنية مقارنة بما يتقاضاه الطبيب في باقي دول العالم، وفُرض عليهم التعامل مع واقع وزاري صحي متهالك انعكس على تعاملهم باستخفاف مع مرضاهم، في ظل غياب آليات العقاب المسلكية في هذه المهنة الحساسة التي تمس حياة الناس وصحتهم.

وتحول بذلك هذا القطاع من نقطة استقطاب مهمة لجميع أطباء الوطن العربي في السابق، إلى قطاع مُهين لمن يعمل به ولمن يلجأ.

هكذا يبقى الحال في النظام الصحي العراقي على حافة الانهيار ومرتعاً للرشاوى والسرقة والمحسوبيات، على حساب صحة الناس وحياتهم… ويبقى الأمل بتحسن واقع هذا النظام ضرباً من الوعود الحكومية الكاذبة التي تُترجم غالباً تعبئة جيوب وتقاسم حصص وتوزيع مناصب.

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً