أثاث المنزل في الصالات فقط!

نور فياض
نور فياض

معروف اللبناني بحبه للترف وصرف الأموال والتسوق، لكنه اليوم ودّع هذه الظاهرة. الأوضاع تبدّلت كثيرا في السنوات الماضية نتيجة إنهيار الليرة اللبنانية مقابل الدولار، فتخلى الكثير من المواطنين عن أشياء كانوا يصنّفونها من الاساسيات والضروريات، وكانوا ايضا يجدّدون بعض اغراضهم وأثاثهم لكنهم اليوم باتوا يُقنعون انفسهم بما يملكون.

سابقا كان اللبناني يتباهى بتغيير أثاث المنزل كل سنة وكان يشتري الثريا وأجمل التحف ليزيّن بها الرفوف وزاوايا المنزل، وحتى الادوات الكهربائية لم تسلم منه في التسوّق. أما اليوم أثاث منزل بكامله وفق سعر صرف السوق الحالية يساوي، تقريباً، سعر منزل وفق سعر الصرف الرسمي ويعكس ذلك حجم الأزمة التي تعاني منها معارض المفروشات التي تحاول منذ عام 2019 تصريف بضاعتها.

يقول أحد أصحاب معارض الأثاث الشهيرة رفض الكشف عن اسمه لـ”لبنان الكبير”: “الجميع تأثر بما آلت إليه الأوضاع الإقتصادية في لبنان بما فيهم قطاع المفروشات الذي تملأ صالاته مفروشات السنوات الماضية، أما على الواجهة الصغيرة فيُعرض ما هو جديد أي موديل السنة ويكون عبارة عن غرفة نوم او غرفة جلوس، فلا نستطيع الإكثار، التصنيع مكلف والإستيراد غال”.

ويتابع: “على الرغم من الأسعار المدروسة التي نتعامل بها مع الزبائن، الا أنّ تراجع عددهم بسبب الأزمة والغلاء المعيشي لكن تبقى الأعياد ومناسبات الزواج لها نكهة خاصة في الصالات حيث يكثر فيها الزوّار وتنشط حركة البيع.”

ويؤكّد: “النسبة الكبرى من الزبائن هم المغتربون أو من يُرسل له المغترب المال، فالدفع كاش ولا تقسيط الا في حالات استثنائية ولا تسلّم المفروشات الا عند تسديد كامل الحساب.”

يقول سامي ب. صاحب معرض متواضع للأثاث لـ”لبنان الكبير”: “الطلبات التي تلقيتها منذ فترة لتحضير أثاث للمنازل، جاءت من مغتربين، وليس من لبنانيين مقيمين، اما المبيعات فهي في تراجع كبير مما يهدد بانهيار قطاع صناعة الأثاث المنزلي وسوقه.”

ويضيف: “لا يمكن لموظف في الإدارات العامة والأجهزة العسكرية أن يتحمل الكلفة العالية، فالأسعار بالدولار، ولا إمكانية للتقسيط. فمثلا صالون، غرفة نوم، وغرفة جلوس تراوح كلفتها ما بين 8 آلاف دولار و12 ألفا. هكذا مبالغ اليوم، ومن يملكها سوى المغتربين والطبقة الارستقراطية؟”.

اما فيما يتعلق بالأدوات الكهربائية، ففي حال خان “الموتير” الغسالة أو التبريد وغاب عن الثلاجة فماذا يفعل المواطن؟ فكافة الاجهزة وقطع الغيار تحسب بالدولار أو على سعر صرف السوق السوداء؟!

يلفت مصطفى كركي لـ”لبنان الكبير” إلى أنّ “الزبائن باتوا يطلبون أدوات كهربائية مستعملة تصل قيمتها إلى 2000 دولار كحد أقصى، أما الأدوات الكهربائية الجديدة فتراوح أسعارها ما بين 4500 دولار و10 آلاف دولار حسب النوعية وأيضا لا إمكانية للتقسيط.”

ويقول كركي أنّ “الطبقة الثرية فقط كانت تشتري كل سنة أدوات جديدة أما الطبقة المتوسطة فعندما يحصل خراب ما في أدواتها تلجأ إلى شراء البديل والطبقة الفقيرة تحاول أولا صيانة الأدوات وإن لم تجد نتيجة تضطر إلى شراء أدوات مستعملة وأحيانا تبقى بلا تلك الآلة بسبب عدم توفر المال لديها. فالعترة عالفقير بهالبلد اللي عايش من قلة الموت.”

بالنسبة لديكورات المنازل أو ما يعرف بالتحف فهي أيضا تحت رحمة الدولار وهي كانت تضفي لمسة تراثية على المنزل وكانت السيدة اللبنانية تتباهى بما تعرض منها في منزلها امام أصدقائها وإذا انكسرت إحداها تذهب فورا لشراء أخرى. أما اليوم فتكتفي بالتحف المعروضة على الرفوف وتقنع نفسها بمقولة “انكسر الشر”.

أما الثريا في حال احترقت لمبة منها لا يستطيع صاحب الطبقة الفقيرة تغييرها فكيف اذا احترقت جميعها؟ هنا سيعيش في ظلام المنزل بعد أن عاش ولا يزال يعيش ظلم الدولة التي تغرقه أكثر فأكثر في السواد الداكن.

“بعيش معك عالخبزة والزيتونة”، مصطلح كان يستعمله العشاق اللبنانيون كتعبير عن عدم اكتراثهم للماديات، وكل ما يهمهم هو الحبيب، لكن لم يكن فعليا يحصل قبل الازمة، فـ”جهاز العروس” كان دائما محط تباهٍ، أما اليوم حتى المفروشات أصبحت كماليات، لا تستطيع التجديد، بالكاد يمكن شراءها مرة واحدة. العصر الذهبي الذي عاشه اللبناني خلال عقود طويلة أصبح من الماضي، وبعد أن كان عصر رخاء وبحبوحة سيتحوّل الى عصر يتحسّر فيه هذا اللبناني على ذلك الماضي القريب.

شارك المقال