“النرجيلة” على لائحة التقشّف

جنى غلاييني

لم تتمكّن الظروف المالية المتعسّرة من إبعاد المواطن اللبناني عن شرب النرجيلة التي تعتبر “تنفيسة يومية” بالنسبة اليه، فهو مرتبط بشكل وثيق بها وحتّى برائحتها التي لا تفارق خياله. ولكن مع تراجع فاعلية الأجور من جهة، والغلاء الفاحش في أسعار التبغ والتنباك من جهة ثانية، يقف اللبنانيون متحسّرين على أوضاعهم التي دفعت بعضهم إمّا الى الحد من شربها أو الى التخفيف من استهلاكها سعياً للتأقلم مع الحياة اليومية التي لا يرغبون في أن تسلب منهم الوسيلة الوحيدة المتبقية التي تحيي قلوبهم وترفّه عن أنفسهم، أي بمعنى أوضح “نفّخ عليها تنجلي”.

ويقول أحد بائعي التبغ والتنباك في الطريق الجديدة لـ”لبنان الكبير”: “بطّلت عم توفّي معنا، الإقبال على شراء المعسل والتنباك والفحم متراجع، مما يعني أنّ اللبنانيين يعتمدون استراتيجية التقشّف حتّى في الأمور التي تعتبر فشّة خلق لهم. لكن مع انخفاض الدولار حاليّاً ووصوله الى ما يقارب الـ 20 ألفا، نسعى الى شراء كميات كبيرة من رؤساء التبغ والتنباك، لخفض أسعارها بحيث يصبح المواطن شبه قادر على شرائها”.

ويضيف: “ليست لدينا القدرة على التلاعب بالأسعار، لأنّ الوضع لا يحتمل وجيبة المواطن لا تكفيه حتى آخر الشهر، مما يدفعه الى شراء المعسل المهرب بدلاً من الوزارة، حتّى شاربو التنباك أصبحوا يفضلون شراء تنباك النكهة بدلاً من العجمي”.

وبعد أن تحوّلت النرجيلة عند بعض اللبنانيين الى نوع من العادة، أصبحوا الآن يواجهون صعوبةً في التخلّي عنها حتّى ليوم واحد. ففي بداية ارتفاع الدولار ارتفعت تلقائيا أسعار التبغ والتنباك مما انعكس على أسعار النرجيلة في المطاعم والمقاهي فتضاعف، ما حدا باللبنانيين الى الحد من شربها في الأماكن العامة، والابقاء عليها في المنزل مع تغيير النفَس مرتين وثلاثة أو أكثر يوميا، رامين همومهم مع دخانها. لكن أينما وجد اللبناني الطمأنينة وراحة البال لن ينعم كثيرا بها وستلاحقه المشاكل حتماً لتزيد “طينه بلّة”، فيصبح غير قادر على شرب نفَس واحد من النرجيلة في اليوم نظراً الى ارتفاع أسعار موادها الجنوني يوماً بعد يوم”.

اعتاد الشاب أحمد يونس، وهو صاحب سيارة عمومي، العمل منذ ساعات الفجر وحتى السابعة مساء، فيعود الى منزله مرهقاً ومتشوّقاً الى “التنفيخ” بنرجيلته لتنسيه التعب وهمّ العيش في لبنان، لكنه اليوم يجد صعوبة في الترفيه عن نفسه، ويقول: “أدفع ثمن فشّة خلقي. كيف يفترض أن يهرب اللبناني من ضائقته المعيشية، أليس من خلال النرجيلة؟ ولكن الآن أصبحت غير قادرٍ على شراء علبة معسّل صغيرة وقد أصبح سعرها 36 ألفا، حتى أسوأ نوعية لكيس فحم المعسل لا يقل سعره عن 30 ألفا، هذا يسمى كفرا وليس فشّة خلق!”.

ويضيف: “على الرغم من العمل 19 ساعة في اليوم لا أستطيع التحمل الا إذا نفّخت، لهذا السبب أصبحت أدخّن سجائر سيدرز أثناء عملي، مع العلم أنّني لا أستسيغها كثيراً، لكن لا قدرة لدي على التوقف عن التدخين بأي شكل”.

شباب لبنان يتخلّون عن “تنفيستهم”، باحثين عن أمورٍ أخرى بديلة، مثل الشابة لين حمزة التي تعمل في مجال المحاسبة، وهي معتادة على شرب 4 رؤوس معسّل يوميا، وقد أصبحت تكتفي بنفس واحد في اليوم أو حتّى عدم الشرب نهائيّاً وملء وقت فراغها بأمور أخرى بعيدة عن التدخين، وتقول: “مع غلاء أسعار المعسل والفحم، أصبحت أستغني عن النرجيلة شيئاً فشيئا، وألجأ الى تمضية الوقت بالغناء والرقص والمشي في الهواء الطلق”.

أمّا أبو سليم (63 سنة)، فيقول: “رجلي لا تفارق “القهاوي العتيقة”، ورأس النبريش لا يفارق فمي، وانا معتاد على شرب أكثر من 3 رؤوس نرجيلة في اليوم الواحد الى جانب كوب الشاي ولعب الورق، اما الآن فأصبحت لا أرتاد القهوة إلّا في آخر أيام الأسبوع، لأمضي ساعتين وأدخن نفَساً واحدا لا أكثر من التنباك العجمي”.

عمليّات التقشّف في لبنان باتت كثيرة، حتّى وصلت الى النرجيلة، ومستهلكوها أصبحوا يعيشون تحت ضغط مضاعف بعد محاولاتهم تخفيفها أو الاستغناء عنها، فما هو التالي على لائحة التقشّف؟

شارك المقال