يفكرون كما يرقصون؟!

وليد طوغان
وليد طوغان

يرى عالم النفس الشهير كارل يونغ أن المجتمعات تفكر كما ترقص. وتفكر كما تقول النكتة. فللنكتة دلالة اجتماعية، كما لطريقة الرقص أيضًا دلالة على السلوك الجمعي وطريقة التفكير.

السوريون الحلبيون يفكرون كما يرقصون الدَّبكة. والدَّبكة لمّا انتقلت إلى لبنان، انتقلت أكثر سهولة، لأن اللبنانيين يفكرون بسهولة… تمامًا كما يتكلمون. والمصري فى الريف تفكيره رصين… بطيء. لذلك فهو يرقص بالساعات مكتفيًا بهَزّ العصا ورفعها لأعلى. والروسي يرقص بكل جوارحه، وثقل جسمه وملابسه.

أما الفرنسي فرقصه ناعم، لكن الياباني مثلاً لا يرقص أبدًا. ربما لأنه يعمل دائماَ. صباح ومساء، أو ربما لأنه تعلّم أن الحياة عمل وأنه لا مجال فيها للرقص ولا للاهتزاز.

لا يعرف اليابانيون إلا اهتزازات الزلازل وعندما تنهدم المدن على رؤوسهم فجأة، تجد الياباني قام فجأة أيضاً، وأعاد البناء فجأة… ثم عاد للعمل. يعني لا وقت لديه للرقص ولا للكلام الفارغ. أمّا إذا حدث ورقص الياباني، وهذا جديد، ففي حركات رتيبة على نغمات أكثر رتابة في ما يشبه الرقص، لكنه ليس رقصاً، ليتراجع فوراً ويعود للعمل من جديد.

وعند القبائل الإفريقية يتقافزون على أنغام توجع الأُذُن، وتهز الجسد، وتهز الأرض وترُج أصداؤها فى الجبال فتعود فتصطدم بالجسم كأنها تخبطه. طريقة الرقص هذه مطلوبة، ولها أكثر من سَبب.

تقول الأسطورة عند قبائل الهوسا الإفريقية إنه كلما اهتز الجسد بشدة، وعلى نغمات صاخبة، كلما أسرعت العفاريت والأرواح الشريرة فى الخروج منه وإلى غير رجعة.

يعنى الرقص ليس رقصًا والسلام، لكنه وظيفة، وهو فى النهاية مَصلحة لكل مَلبوس بالعفاريت من أبناء القبيلة. فلدى الهوسا الأفارقة، إن العفاريت مرض معد، والعفريت لديه القدرة على القفز من جسد إلى الثاني، مثل فيروس كورونا المستجد، وربما أسرع.

ملابس الشعوب أيضاً مِثل عاداتها. طريقة الزي وشكله فى أغلب الحضارات القديمة، وبقايا أبناء الحضارات القديمة وظيفية، بينما هي عند مواطني الدول الحديثة دلالة على التفكير والتصرفات والأداء العقلي.

لذلك فالملابس تشرح، كما العادات والأزمات الاجتماعية تفضح.

فى أذربيجان لا يخرج كبار السنّ من بيوتهم إلا بغطاء رأس اسمه “الباك باك”. وعجوز بلا “باك باك” يعني عجوزاً بلا مروءة ولا شرف ولا أصل، يعني امرأة قليلة الأدب.

وغطاء الرأس فى حضارات الشرق له علاقة ما بالهَيبة والاحترام، وفى حضارات أخرى له علاقة بالإيمان الديني. وغطاء الرأس الـ”باك باك” فى أذربيجان… بقايا من تلك المفاهيم.

والإهانة الكبرى هناك ليست شتماً ولا ضربًا. كل ما عليك لإهانة عجوز أذربيجانى، أن ترفع بحركة سريعة مباغتة الباك باك من على رأسه، فغطاء الرأس الذي يسقط على الأرض، تسقط معه كل المعاني والمبادئ والقيم التى سعى إلى حفظها ذلك العجوز، والحفاظ عليها طوال حياته.

وفى مناطق روسيا القديمة، خصوصًا سيبيريا، قد لا يرتدي الرجُل قُبّعته، إنما لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يضعها مقلوبة.

وقُبّعة الروسي فى صحراء سيبريا لها شروط للوقار، أهمها أن تكون مصنوعة من صوف الحَمَل الذى لم يلعقه صغير الحَمَل بعد ولادته. السبب أنهم يرون أن صوف القبعة لا بُدّ أن يكون بِكرًاً غير مهان، ولدى الروس فى تلك المناطق أن اللعق إهانة ولو أردت أن تشتم أحدًا فاخرج لسانك كأنك تلعق وجهه.

فى الحب لا يستخدم الروسي القديم شفتيه، ولا يستخدم لسانه فى القُبَل، على طريقة الأوروبيين، إنما يستخدم أنفه فى حك أنف الأنثى، دلالة على الغَزَل.. وفتح كلام لما بعد الغزَل.

والشرف لدى الروسي فى أن يضع غطاء رأسه معدولًا. ولو قلبت قُبّعة أحدهم كأنك مسحت بكرامته وكرامة عائلته، وكرامة أصله كله من الألف إلى الياء.

لا أحد يعرف ما العلاقة لدى الشعوب القديمة بين غطاء الرأس وبين مفاهيم الاحترام والهيبة… والايمان الدينى .

ففي الأساطير الشرقية أن شَّعر الإنسان مَكمن قوته، ومكمن كبريائه، لذلك تعاملتْ الحضارات مع الشَّعر إمّا بالقص أو الحلاقة، وإمّا بإرسال الشَّعر وتركه طويلًا من دون قص ودون حلاقة.

المرأة العربية غطت شَعرها، قبل الإسلام وبَعده. والرجُل العربي هو الآخر ارتدى عُمامة، تطورت إلى أن وصلت إلى العقال. وفى الديانة البوذية القديمة، حلق الراهب شَعر رأسه بالموسى كعلامة على خضوعه للرّب.

وفى الديانة المجوسية، كان لا يجوز للكاهن دخول مَعبد النار، أو معابد الإله ميثراً، إلا بشَعر طويل ولم يعمل فيه مقص منذ رسامة الكاهن. ولدى الفراعنة المصريين، كان معنى دخول الكاهن مِحراب الهيكل بشَعره مكشوفًا، أو طويلًا يعني اعتداءً على حرمة بيت الرّب.

مرّت الفكرة بظروف كثيرة اجتماعية، حتى ارتبط غطاء الرأس بالهيبة، ومكانة البني آدم. فوصلت إلى الطاقية الفلاحية التى أبَى الفلاح المصري خروجه من بيته بلا طاقية، مكشوف الرأس.

وظلت الفكرة رائجة إلى الآن. خروج الفلاح من بيته في بعض القرى المصرية إلى الآن مكشوف الرأس عيب… حتى في زمن الإنترنت والآي باد!!

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً