الهند: لهيب محارق الجثث يوحي بنهاية العالم

حسناء بو حرفوش

بقيت أعين الصحافة العالمية مسمّرة على الهند مع استمرار ورود قصص عن اليأس والإحباط في البلاد التي تعرف بأكبر مصنع للأدوية في العالم. ونشرت صحيفتا “إنديا ويست” الهندية و”فايننشال تايمز” الأميركية التفاصيل عن أيام الانتظار في محارق الجثث واللهيب المتصاعد من محارق الجثث والذي ينشر أجواء تشبه نهاية العالم.

صحيفة “إنديا ويست” الهندية أسفت لأن “الرسائل التي تأتي من الهند عبر وسائل التواصل الاجتماعي تختصر بصرخات التوسل والاستغاثة من قبل الجسم الطبي والباحثين عن اسطوانات الأكسجين وأسرّة العناية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي والبلازما والأدوية للأصدقاء وللعائلة وللمعارف في الهند”.
ووفقا للصحيفة، “يزداد الوضع سوءًا يوما بعد يوم. يلهث المرضى المتألمون في جميع أنحاء البلاد لالتقاط أنفاسهم، ولا يكف الأطباء والمستشفيات المنهكة عن إرسال رسائل الاستغاثة. الوضع مروع للغاية لدرجة أن العديد من المرضى، الذين ينقلون من مستشفى إلى آخر، قد لا يحصلون حتى على فرصة للحياة ويموتون بانتظار سرير أو جهاز تنفس صناعي، على أعتاب المستشفيات التي تغص لدرجة فاقت قدرتها على استقبال أي مرضى الجدد “.
“وتزداد حدة الأزمة بوتيرة مرعبة في ظل استثمارات السوق السوداء حيث تباع أسطوانات الأكسجين والأدوية النادرة مثل  Remdesivir. سيارات الاسعاف تغص بالضحايا وتوحي محارق الجثث وأماكن الجنازات بنهاية العالم. يتوجب الانتظار في المحارق التي تعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع في كل قرية وفي كل مدينة وفي جميع أنحاء البلاد، لأيام طويلة”.
وكتبت صحيفة “فاينانشل تايمز” الأميركية بدورها أن “الهند تمرّ بأحلك لحظاتها منذ تاريخ الاستقلال حيث تمزقها موجة كورونا الثانية الكارثية بسرعة مذهلة (…) ولم توفر الأزمة أحدا ولم تقف عند حدود أي من الفروقات الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية في البلاد، بل طالت كل من الأغنياء والفقراء في المناطق الريفية والحضرية”.
ونقلت الصحيفة قصصا عن أشخاص يعيشون نتائج الأزمة بشكل مباشر. فكتبت على لسان طبيبة تعمل في مومباي: “لم نتعلم من أخطائنا على الإطلاق. انتهت الموجة الأولى ولم نعتقد أن الموجة الثانية قد تداهمنا. (…) وقد كشف الضغط على المستشفيات نقص الاستعداد والإهمال المزمن للرعاية الصحية العامة، حيث لا يتعدى إنفاق الهند نحو 1%  من الناتج المحلي الإجمالي على هذا القطاع.” وتأسف الطبيبة لأنها شهدت بنفسها على فقدان زميلها الطبيب الشاب الذي لم يكن يعاني من  أي أمراض مصاحبة. “لم نستطع تأمين سرير في المستشفى ولا أكسجين. ما كان ينبغي لهذا الشاب أن يموت (…) يؤثر الضغط على مجالات أخرى للصحة العامة، مع احتمال حدوث عواقب طويلة المدى. أما وقد خرجت حملات تحصين الأطفال عن مسارها، يكافح الأهل وتكافح الأمهات الحوامل من أجل تلقي العلاج. الأمر يفطر القلب. كيف للهند أن تنتهي بهذه الحال؟”

هذا ولا يتوقف سيل الجثث في مدينة فاراناسي القديمة، التي تقع على ضفاف نهر الغانج المقدس، والتي تحمل رمزية خاصة بالنسبة للهندوس الذين يرغبون بحرق جثثهم فيها، لايمانهم بأن ذلك سيسمح لأرواحهم بإكمال رحلتها إلى الجنة والتحرر من دورة الحياة والموت. والحال سيان في المقابر الإسلامية أو المسيحية . “لم نشهد على أي شيء كهذا من قبل! يقول راجا يعمل في حرق الجثث في فاراناسي. ارتفع عدد الجثث التي تصل يوميًا إلى 100 جثة،  مقارنة بأقل من 15 في العام الماضي، ونكاد نعجز عن تحمل الحرارة الحارقة واللهيب المتصاعد. لقد شاركت عائلتنا تقليديًا في إدارة محارق الجثث لأجيال. “لم يشهد أحد على شيء كهذا من قبل.. نشعر أنها نهاية البشرية”.

صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية نقلت عن “تكدس الجثث في ساحة انتظار السيارات في غازيبور الصغيرة جدًا. الجثث مكتظة بشكل قريب بحيث لا يمكن إشعال المحارق إلا مرة واحدة. لذلك توضع الجثث على محارق فردية خلال النهار تحرق كلها في حريق كبير واحد في المساء. وتعمل محارق الجثث الأخرى، التي تشغل بالكهرباء أو الغاز، على حرق الجثث على مدار الساعة من الصباح حتى غروب الشمس (…) الوضع يشبه أحد تلك الأفلام التي يتعرض فيها العالم للهجوم ، وتنتشر الجثث في كل مكان. ننتظر البطل الخارق ليأتي وينقذ الجميع. ولكن في هذه الحالة، لا يوجد أي بطل خارق”.

ويركز مقال “فايننشال تايمز” أيضا على وضع “القرى التي تواجه كورونا في ظل الجهل والتشكيك بوجود الفيروس، وقصة أستاذ جامعي في رحلة البحث عن سرير لاخته التي تعجز عن التنفس في الأسابيع الأخيرة. لا أحد يستطيع تأمين العلاج مع امتلاء الأسرة في المستشفيات في دلهي  (…) وفي إحدى غرف الطوارئ، وجدتني مجبرا على الاختيار بين إسعاف شقيقتي و ترك شاب بمستويات أكسجين منخفضة تصل إلى 13% ليموت إذا صادرت اسطوانة الاكسجين خاصته”.

ومن التعليقات اللافتة المرفقة بالمقال، “كيف آلت الحال إلى ما هو عليه؟ يا لها من سخرية للقدر. لم تتمكن الهند، أكبر مصنع للأدوية في العالم، من تأمين اللقاح لشعبها وهي تختنق الآن بسبب أكبر طفرة للفيروس في العالم.”

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً