حكاية بائعة الليمون العشرينية المتجوّلة في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

تتجوّل الشابة دعاء القصّاب يومياً بين أحياء طرابلس وشوارعها الشعبية بعربة الليمون التي تتنقل فيها بين منطقة وأخرى وصولاً إلى الميناء سيراً على الأقدام، وهي تُنادي المارة من الزبائن بصوتٍ مرتفع لا يُخيّل إليك أنّه صوت امرأة تسعى إلى الحصول على لقمة عيشها بكرامة.

“يلا ليمون، يلا ليمون…” بهذه الكلمات تدخل دعاء إلى كلّ شارع طرابلسيّ ينظر إليها بصدمة وحزن، إذْ يُفكّر فيها كلّ شخص يراها، محيياً شجاعتها وشاعراً بمعاناتها التي دفعتها إلى بيع الليمون في عربة متنقّلة، وهي فتاة صغيرة لم تر من نعيم هذه الحياة شيئاً يُذكر أو يُشعرها بأمان واستقرار من تقلّبات الحياة التي باتت مفاجئة فعلياً.

بصوت باكٍ، تروي القصاب بعض معاناتها لـ “لبنان الكبير”، فهذه الشابة التي تعيش في المنكوبين التي تقع على طرف منطقة البداوي (وهي معروفة بحال سكانها الاقتصادية والمعيشية الصعبة عموماً)، لا تجد من يُساعدها أو ينتشلها من هذه الأزمة المعيشية التي تُواجهها وحدها بلا معيل أو مسؤول عنها.

أتحمّل المسؤولية كلّها

لا تعيش دعاء وحدها في المنكوبين، بل مع والدها ووالدتها وأخيها الذين يُواجه كلّ منهم مشكلة صحية تحدّ من قدرته على العطاء والمساعدة بشكلٍ صحيح. وتقول لـ “لبنان الكبير”: “أعيل المنزل في كثير من تفاصيله، كما أصرف على نفسي ولا أحد يُساعدني في ذلك، فوالدي يُواجه مشكلة في يديه وقدمه، أمّا والدتي فأجرت عملية ديسك ولا تزال تُعاني منها، وأخي الوحيد يُعاني مشكلة في رأسه أيضاً وأيّ أذى قد يُؤدّي إلى وفاته فوراً، ما يدفعني إلى التدخل لأتمكّن من العيش”.

دعاء بدأت عملها منذ أن كان عمرها 13 عاماً، وقد بلغت الآن العشرين، وتُضيف: “تحمّلت المسؤولية باكراً، ولا أخجل من مهنتي أبداً فأنا مؤمنة منذ صغري، وأثق بربّي كثيراً وأعلم أنّه سينفّس كربي وسيزيد من صبري لأستمرّ في عملي بكرامة. وأنا لا أسترق النظر إلى أرزاق الآخرين، حتّى أنّ المفقودات التي أعثر عليها أحياناً بحكم عملي ميدانياً لا أسمح لنفسي بسرقتها، بل أعيدها إلى صاحبها أو إلى المخفر إذا كنت لا أعرفه، وهذا ما يجعلني محبوبة ومقبولة عند النّاس جميعاً، فلا أتعرّض لإهانة، أو تنمّر ما على هذه الطرقات التي حفظتها وحفظتني لأعوام”.

وتُتابع: “في الواقع، حالتنا بالويل، ومنزلنا في حالٍ يرثى لها إذْ تجتاحه الرطوبة وتدخله مياه الأمطار بغزارة شتاءً، وبعد ارتفاع ثمن الاشتراك الكهربائي في الفترة الأخيرة، قرّرت إلغاءه على الرّغم من حاجة والدتي إلى مشاهدة التلفاز للتسلية وهي طريحة فراشها، ولكن أحاول شرح الحالة لها وتفسير عجزي أمام رغبتها الملحة”.

وتتحدّث دعاء عن الفترة الأولى التي عملت فيها، إذ كانت تملك عربة مخصّصة للأطفال وتبيع الليمون قرب مسجد طينال، وهو مسجد تاريخي يقع في باب الرمل الطرابلسية، وتقول: “ذات يوم شعرت بضيق وحسرة على نفسي، وجلست قرب المسجد وبكيت، حينها رأتني سيّدة أحبتني جداُ وبدأت بتقبيلي كي لا تكسر بخاطري، وبعد معرفتها بكلّ معاناتي قرّرت التدخل لمساعدتي في العمل، فأعطتني هذه العربة التي أعمل عليها لأتجوّل فيها بـ 25 ألف ليرة في اليوم، وفي أولى ساعات المساء أعود إلى الميناء حيث تعيش هذه السيّدة، لإعادة العربة إليها. أنا أشكر الله وأشكرها لأنّها ساعدتني ولولا هذه المساهمة لكنت جلست في منزلي بلا أكل أو شرب، خصوصاً وأنّني لا أفكر في الزواج ما يعني أنّني سأبقى مسؤولة عن نفسي ورزقي وحدي”.

يُمكن القول انّ هذه الفتاة التي وصلت إلى صف الخامس الابتدائي في تعليمها، كانت تتمنّى دائماً إكمال هذه المسيرة العلمية، لكن شاء القدر أن تتعرّض لحادث سير كبير أدّى إلى تأخير هذه العودة، وبالتالي فانّ لجوءها إلى سوق العمل هو دليل قوّة لها لا ضعف أبداً، إذْ تحتاج هذه السوق إلى فتاة بقوّة دعاء وصلابتها، وأقلّ ما تتمنّاه هو رغبتها في شراء “توك توك” تُدرك أنّها عاجزة عن الحصول عليه “لكنّه يُوفّر ويُخفّف من مصروف الطرقات الذي أدفع ثمنه يومياً أيّ 40 ألف ليرة ذهاباً وإياباً”.

شارك المقال