الاذاعات تلحق بركب “السوشيل ميديا”… وتصمد!

نور فياض
نور فياض

وفّرت الاذاعة منذ نشأتها وصولاً سريعاً الى المعلومات، لكنها تعرّضت لضربة عند ظهور التلفاز الذي قدّم الصوت والصورة معاً. اما الضربة الثانية فتعود الى تطوّر “السوشيل ميديا “، التي باتت عبر الاعلام الحديث تجعل المستخدم يستعمل حاستي السمع والنظر في آن، وتتوافر بين يديه وفي كل مكان، على عكس الراديو على الرغم من كونه أكثر وسائل الإعلام انتشاراً وأسهلها استخداماً وتكلفتها غير باهظة. ومؤخراً لحق الراديو بموجة التطوّر ليجمع بين التقنيات التقليدية والحديثة، فأصبحت الإذاعة تبث الآن مجموعة متنوعة من المحتوى صوتاً وصورة.

ريشا: كورونا قلّصت البرامج

يقول مدير إذاعة “الشرق” كمال ريشا لـ”لبنان الكبير”: “ان نقص الاعلانات يعد الأزمة الكبيرة التي تعانيها الاذاعة، التي مردودها هو جزء أساسي من تمويلها. وسابقاً كانت جائحة كورونا المشكلة الرئيسية، اذ عانينا من اصابات في صفوف الاعلاميين ما اضطروا الى العمل من المنزل بطريقة متواضعة، وايضاً تقلّصت البرامج خلال هذه الأزمة بسبب عدم القدرة على استقبال الضيوف في الاستديو، ونحن بانتظار الإنتهاء من هذا الوباء لاستئناف شبكة برامج جديدة.”

ويتابع: ” خلال الأزمة الاقتصادية التي مررنا بها في العام 2019 أخذ الرئيس سعد الحريري قراراً بوضع حد لمصروف الإعلام، فأصبحنا مثل كل مؤسسة أخرى تابعة لتيار المستقبل، وتوقف عرض بعض البرامج التي لم يعد لأصحابها القدرة على الاستمرارية”.

ويؤكد أن “لا أزمة فالبرنامج ومذيعه لا يزالان منذ العام 2019 الى اليوم صامدين وثابتين ولا تراجع في الإذاعة.” ويعتبر أن دور الإعلام الحديث لا يؤثّر على مستمعي الراديو، فلكل منهما جمهور مختلف عن الآخر، مشيراً الى أن “الناس أثناء تواجدها في سياراتها على الطريق تستمع الى الراديو”.

مراد: الفوضى أساس المشكلات

يوضح مدير اذاعة “لبنان الحر” أنطوان مراد أنّ للراديو مشاكل عدة، ويؤكّد لـ”لبنان الكبير” أن “المعاناة بدأت بعد حرب تموز بحيث لحق الدمار بالاذاعة وتسبب بخسائر ماديّة ولم يتم التعويض حتى الآن، فكان التصليح من الأموال الخاصة.”

ويضيف: “وضع الاذاعة يتأثر بشكل شبه كلي بوضع الاقتصاد العام للبلد، فطالما الدولة ضعيفة، طالما الاقتصاد منهك، وذلك ينعكس مباشرة على الاذاعة التي تراجع مردودها الاعلاني بنسبة تتراوح بين 80 و95%، اذ أنّ الوكيل المعتمد في لبنان يعاني أيضاً وضعاً مالياً صعباً وبالتالي تضعف امكانية التسويق للمنتج فيلجأ الى بيعها من دون اعلان. اما الاعلانات التي تعرض اليوم فهي تلك المتعلّقة بالمواد الغذائية والتنظيف لأنها من ضروريات اللبناني.”

ويرى أن الفوضى سبب أساسي للمشكلات التي تعانيها الاذاعة، ويقول: “قانون الاعلام المرئي والمسموع غير مطبّق والدولة غائبة، ونجد مثلاً اذاعات غير مرخصة تشوّش على تلك المرخصة، اضافة الى أنّه في الفترة الاخيرة تم ترخيص بعض الاذاعات التي ليس لها تردد هوائي خاص بسبب الفوضى والواسطة.”

ويشدد على أن “هجرة الاذاعيين النخبة الى التلفزيون المحلي أو حتى الى الخارج بسبب المردود الأعلى أثّرت أيضاً على حالة الراديو”.

ناصر: لن نتخلى عن اذاعتنا

وفي السياق، تشير الاعلامية ومقدمة البرامج في “اذاعة لبنان” امال ناصر لـ”لبنان الكبير”، الى أن “الدولة تدفع بالليرة اللبنانية للموظّفين الذين كانوا يتقاضون 150 ألفاً على الحلقة أي ما كان يعادل 100 دولار سابقاً، اما اليوم فهم تقريباً يعملون ببلاش. وعلى الرغم من أن العمل بات كالسخرة لكننا لن نتخلى عن الإذاعة في هذا الوقت الصعب”. وتؤكّد أنها كما عدد من زملائها مستعدة للعمل من دون مقابل وتقديم كل الخدمات للحفاظ على استمرارية “اذاعة لبنان.”

وتضيف: “في فمنا ماء. نحن كإذاعة لبنان الرسمية لا يمكننا قول كل شيء ويجب علينا البقاء محايدين ومهما عصف بالبلد من اضرابات وغيرها نبقى نداوم.” وتلفت الى أن “اللبنانيين في حالة متدهورة وليس اذاعة لبنان فحسب، وكذلك جميع الإذاعات والمصالح. بعض المنتجين غادروا بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فيما البعض الآخر لا يزال متواجداً ويتحمّل. وفي ما يتعلّق بالموظفين فلم يغادروا لا بل هم صامدون الى الرمق الأخير وحتى اشعار آخر.”

وتختم بمشهد تذكرته عند أزمة شح المازوت، “حيننذاك وصلت الى الاستديو لأجد الموظفين يعملون على ضوء هواتفهم بسبب غياب الكهرباء وعدم توافر المازوت للمولّد. فعلى الرغم من المعاناة لا نتخلى عن اذاعتنا لأننا ننحبها”.

ديب: غياب المال والاعلانات

بدوره، يؤكّد الاعلامي الفونس ديب لـ”لبنان الكبير” أن “الإذاعات تحتاج الى تكلفة باهظة وهي تعاني من مشكلة دفع الرواتب بسبب غياب المال الذي تحصل عليه من الاعلانات التي باتت في الحضيض. إضافة الى أنّ المتابعات الخاصة أي التغطيات لا تتناسب كلفتها مع حجم المداخيل وانخفاض سوق الاعلانات. فهذا يرتد على الاعلاميين الذين يعانون مثل جميع المواطنين من تدني القدرة الشرائية جراء تآكل الليرة اللبنانية.”

ويقول: “عامل جديد دخل على الاعلام المسموع ما سمح بولادة خلطة جديدة، اذ باتت غالبية الإذاعات تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وانستغرام للبث المباشر وتويتر لنشر التغريدات والتفاعل معها أثناء عرض البرنامج، ما أعطى نوعاً ما دفعاً ايجابياً للعمل الاذاعي الذي تبقى لديه نكهة خاصة. وأي برنامج يتمتع بإعداد جيّد ومقاربة موضوعيّة علميّة بحتة يكون محط متابعة.”

في ضوء المشكلات الاقتصادية التي يعانيها لبنان والانقطاع الدائم للكهرباء والشح في المازوت ترتفع أسهم الاستماع الى الراديو، اذ لا يزال الوسيلة القادرة على نقل أي رسالة إلى أي مكان وفي أي وقت حتى من دون كهرباء.

تعوّد اللبناني على سماع وعود كاذبة عن خطة الكهرباء، فهل سيغلب الراديو الاعلام الحديث والمرئي ويصبح الطلب عليه أكثر فأكثر خصوصاً بعد التأكد من أن الوعود لحل أزمة الكهرباء إنما هي وعود فارغة، ومجرد أقوال وتصاريح لا وجود لها على أرض الواقع؟. وهل ستعود أزمة شح المازوت مجدداً الى الواجهة وينقطع بث الإذاعات لنصبح في العصر الحجري؟!

شارك المقال