صوم… ينقصه افطار

نور فياض
نور فياض

من لا يعرف جغرافيا لبنان، فأطباقه هوية أيضاً. في مشهد حزين، بات اللبناني يترقب حالة الدولار صعوداً أو هبوطاً لما لها من تداعيات على مطبخه وخصوصاً اليوم مع بداية الصوم عند المسيحيين الذين يتبعون التقويم الغربي.

أيام الترف والتبذير ولّت مع الليرة، ومع ارتفاع الأسعار أصبحت الخيارات المتاحة محدودة، واللبناني يبحث عن بدائل تناسب قدرته الشرائية. فبعدما استغنى اللبنانيون في مستهل الأزمة عن اللحوم والدجاج التي باتت حكراً على الطبقة الميسورة، حلقت أيضاً أسعار الحبوب التي تعتبر الوجبة الأساس في افطار الديانة المسيحية. ويبقى السؤال كم تبلغ كلفة هذه الوجبة التي لا تحوي اللحوم ولا الدجاج؟ وهل الحبوب والخضار في متناول الجميع؟

وفق احصاءات شركة “ستاتيستكس ليبانون” فان الفقير الصائم سيبقى صائماً. هذا الفقير اعتاد على المجدرة واللوبياء والحمّص ونسي مذاق اللحمة حتى قبل استفحال الأزمة لتصبح الحبوب وجبة رئيسة لا غنى عنها، يلجأ المسيحيون اليها لتزيين موائدهم مثل كبة راهب، واللوبياء بالزيت وغيرها.

وحسب الاحصاءات اذا أرادات عائلة مؤلّفة من 5 أشخاص تحضير احدى هذه الاطباق فهي بحاجة الى مكوّنات عدة جميعها باهظة الثمن. لتحضير كبة راهب مثلاً، تحتاج العائلة الى كيلو من العدس يبلغ سعره 41625 ليرة لبنانية وكيلو الطحين 6513 ليرة أو كيلو برغل يتراوح سعره بين 15 و25 ألفاً والبصل 7806 ليرة. اذاً كلفة هذا الطبق 77 ألفاً تقريباً من دون التطرّق الى ما يرافقها كالسلطة مثلاً، ولتحضيرها العائلة بحاجة الى: كيلو بندورة بـ 15949 ليرة، خسة 13545 ألفاً، اما رشة زيت الزيتون فقيمتها 14 ألفاً، اذ أن سعر 3,6 ليترات منه، 514206 ليرة لذا تبلغ كلفتها 45 ألفاً تقريباً. اذاً كلفة الطبخة مع السلطة 122 ألف ليرة، وعلى مدى شهر تكون كلفة كبة راهب 2,310,000 ليرة من دون توابعها، أي أكثر بثلاث مرات من الحد الأدنى للأجور ومن دون أن نحسب الغاز المادة الأساس في كل الوجبات.

لم تكن الحياة مريحة دوماً لكن العيش كان شبه مستقر، فعلى سبيل المثال اعتاد اللبناني الذهاب الى السوبر ماركت مع 100 ألف ليرة ليشتري حاجيات افطاره التي تكفيه لمدة لا بأس بها، أمّا الآن فالدخول الى السوبر ماركت يكلّف مليوني ليرة وتقتصر الحاجيات على الأولويات التي لن تكفي افطاره الا لأيام.

تقول ريتا لـ “لبنان الكبير”: “تخلّينا عن المازة هذه السنة، والصنف يحضّر ليؤكل على يومين أو أكثر، اما التنويع فهو من الذكريات التي نحنّ اليها واللوبياء التي يبلغ سعر الكيلو منها ٥٥ ألفاً أصبحنا نحلم بها فقط واذا اشتهيناها ننظر اليها عبر الصور.”

وتضيف ريتا: “الحمدلله أننا في صومنا نمتنع عن اللحم والا فنحن بحاجة الى قرض من المصرف لتحضير وجبة الافطار.”

“على الرغم من الغلاء المعيشي، وصحيح أننا في هذه الأيام المباركة نتخلى عن اللحوم ولكن الحمدلله لا نزال ننوّع سفرتنا والفضل يرجع الى اخوتي في الغربة الذين يباركون طعامنا”. بهذه العبارات وصفت ماري حالة أسرتها في فترة الصيام.

ويقول موظّف في أحد المطاعم المعروفة التي تقدّم على لائحة طعامها، وجبات الافطار، لـ”لبنان الكبير”: “انّ الاقبال على شراء هذه الوجبات لم يعد كالسابق فهو بات محصوراً بطبقة الجيوب الخضراء. اما بالنسبة الى الأسر الفقيرة والمتواضعة مادياً، فمع بداية الأزمة بدأت تخلط زيت الزيتون مع الزيت النباتي للتوفير، فكيف ستستطيع الذهاب الى المطعم لتناول وجبة الصوم، وقد استغنت عن الكثير من الوجبات وحتى عن حاجات أساسية كالانترنت او حتى اشتراك الكهرباء؟”.

ويضيف: “تلحق بالعديد من المطاعم خسائر فادحة ولكن هذه حال كل القطاعات، على أمل أن تنتهي الأزمة ويعود كل شيء على ما يرام فنحن اشتقنا الى الطبقة المتوسطة التي كانت تزيّن مطعمنا.”

اما الياس فيشدّد على أن “الطعام هو آخر ما يحكى عنه فمقومات الصوم الأربعيني هي الرجوع إلى الله وطلب رحمته من خلال أعمال التوبة والصلاة والصدقة، وبالطبع هناك أعمال روحية ذات صلة بهذا المثلث وهي الاهتداء، المصالحة، الغفران، محبة القريب، والابتعاد عن الكراهية والحقد والانتقام”. ويقول: “نحن في الصيام نعتبر أن الله هو مصدر الحياة والعيش وليس الخبز واللحم، (لَيَس بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنسان). فالله هو مصدر وجودنا وعلينا أن نكون مستعدين لنفرغ حياتنا كي نمتلئ منه تعالى. فلنصم جميعاً متحدين بالرب ولنشبع أنفسنا منه وحده. إذ أن بالصوم ربنا يستجب لنا، (فصُمْنا وطَلَبنا مِن إِلهِنا لِأَجلِ ذلك فآستَجابَنا)”.

يأسف اللبنانيون لما آلت إليه أوضاعهم الإقتصادية، فهم لم ولن يعتادوا على أوضاع كهذه، وأصبح افطارهم من دون طعم ونكهة وبات يشبه طعام المستشفيات.

كانت وجبات الحبوب من المنوعات التي تطبخ مرة في الشهر ويتعالى اللبناني عليها، أما اليوم فباتت تغيب عنه مرة في الشهر. وكان اللبناني في الصوم الأربعيني ينوّع سفرته فيأكل “على كل ضرس لون”، اما اليوم فأصبح هذا التنوع غير متوافر، ولا سيما القليل منه في منزل الفقير الذي قدّر له أن ينام جائعاً في الأيام المباركة من دون أن يذكره أحد

شارك المقال