شباب طرابلس… البطالة مخيفة والهجرة أمل

إسراء ديب
إسراء ديب

يطمح الكثير من الشباب الطرابلسيين إلى الهروب من لبنان، فلم يعد هذا البلد صالحًا للعيش فيه، في ظلّ تردّي الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية والأمنية، إذ يجد الجيل الشاب نفسه غير راضٍ عن واقعه، وفي الوقت عينه هو غير قادر على تغييره.

لا يخشى أبناء طرابلس فعليًا أي مغامرة أو مخاطرة، فقوارب الموت كانت شاهدة على هروب عدد كبير منهم، منهم من نجا ووصل إلى برّ الأمان، ومنهم من اختطفه الموت، ومنهم من عاد خائبًا بعد إلقاء القبض عليه ومنعه من السفر. وفي ظلّ انتشار وباء كورونا، لا سيما في الآونة الأخيرة لم تعد فرصة الهروب عبر هذه القوارب المميتة فرصة سانحة أمامهم.

ولا تقتصر المعاناة على فئة الشباب فحسب، بل تتعدّى لتصل إلى أهاليهم، الذين يعضّون على جراحهم خوفًا على مستقبل أولادهم وعمرهم الذي يضيع في بلاد كثرت فيها الأزمات. ليس فقط خلال الحرب الاهلية والتي لا يزال يُعاني من آثارها الكثيرون، وإنما من الحرب الاقتصادية والمالية التي تفقرهم وتزيد من معاناتهم، حتى كادت تضاهي معاناة سنوات الحرب والاشتباكات.

الطلب على السفر يزداد… ولكن

يُمكن القول، أن المرحلة التي سبقت الإقفال العام، كان عدد الطلبات على السفر فيها كبيراً، وهذا ما يُؤكّده ماهر كنج الذي يعمل في مكتب “كنج للسفريات وتخليص المعاملات”، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “أغلب السفارات حاليًا مقفلة، ولا يُقدم على السفر أو الهجرة تحديدًا إلّا من كان متزوّجًا من أجنبيّ سواء أكان ذكرًا أم أنثى”، مشيراً إلى “وجود الكثير من المكاتب التي توهم الناس الراغبة في الهجرة، ولكن هذا الكلام غير منطقي وغير صحيح على الإطلاق، وهي مكاتب تغش الزبائن وتستفيد من آلامهم”.

ويلفت إلى أن “عدد الطلبات تراجع جرّاء انتشار الوباء، ولكن بعد فتح المؤسسات، ستتضاعف الأرقام ولن يبقى أحد في لبنان، لأنّ الوضع سيئ للغاية وغير مناسب لأيّ فئة من الفئات”.

بين موالٍ ومعارض… الكل يعاني

طُرد المواطن عمر حسن المصري من الشركة التي كان يعمل فيها، فهو مهندس كهرباء، واجتهد كثيرًا لحيازة هذه الشهادة وإيجاد فرصة عمل، ولكن بعد مرور 6 أشهر على توظيفه، طرد بكلّ بساطة ولم يجد عملًا مناسبًا حتّى الآن.

وما زال عمر يبحث عن عمل، مؤكّدًا أن “عملية الطرد كانت تعسفية بسبب رغبة المدير بتعيين موظفين من جنسية عربية أخرى مكاني”، ويقول: “لم يكن راتبي يكفي، ولكن كنّا نحمد الله على هذه النعمة، إذ كنت أحصل على مليون و700 ألف ليرة تقريبًا… وما زلت أبحث عن عمل لي، لأعيل أسرتي التي تحتاج مني كلّ الاهتمام”.

ويرفض عمر الهجرة، معتبراً أن “الهجرة ذل لأيّ مواطن من أي دولة”، ولافتًا إلى أنّه “في لبنان بصيص أمل يُتيح لنا الاستمرار في العيش فيه، فمهما يحدث لبنان بلدنا ولن نتخلّى عنه، وإذا هاجرنا جميعًا، إلى من سيبقى لبنان، إلى السفاحين؟ الفاسدين والمجرمين؟ الطائفيين والعنصريين؟”.

أمّا إبراهيم ت. (يعيش في الزاهرية)، فيجد أن “لا سبيل للخروج من هذه الأزمات إلّا عبر السفر والهجرة”، مؤكّدًا انتظاره اللحظة المناسبة للمغادرة، إذ يطمح إبراهيم للزواج من ابنة عمّه التي تعيش في أستراليا، ويقول: “أعلم أن الفكرة ليست لطيفة أن تتزوّج لهدف ما، ولكن ابنة عمّي مناسبة لي من جهة، والحقيقة تقول إن الوضع في لبنان لن يتغيّر إلّا عبر السفر من جهة ثانية، ولكن التغيير لن يأتي من طبقة سياسية فاسدة تبتغي تحقيق مصالحها الشخصية”.

وعارض إبراهيم مضمون فكرة ” قوارب الموت”، معتبرًا أنّها فكرة انتحارية محرّمة، “أنا أعيش معاناة الشباب ولكن لن ألقي بنفسي إلى التهلكة أبدًا”.

ولم تعد فكرة الهجرة تقتصر على فئة الذكور، فالكثير من الفتيات يطمحن للخروج من لبنان. فاتن ت. (24 عامًا) تزوّجت من رجلٍ أجنبيّ من النروج بعدما تعرّفت إليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي وهي تعمل حاليًا في إحدى الشركات، وتقول: “لو عشت في طرابلس لما كنت وصلت إلى المرحلة المتقدّمة التي وصلت إليها، فطرابلس باتت مدينة منكوبة لسببين الأوّل إهمال الدولة لها واعتبارها وكأنّها غير موجودة في لبنان، والثاني بسبب المناصرين لتيارات سياسية أو دينية معيّنة ما لا يسمح بحصول أي تطوّر، وما فعلته كان (ضربة معلّم) منّي”.

من جهته، يُؤكّد محمّد جباخنجي (42 عامًا) أنّه عاش في الكويت لمدّة (18 عامًا) وعمل فيها مدير أحد مراكز التسوّق، ولكنّه عاد منذ أشهر إلى لبنان، إذ لم يجد محمّد في غربته تلك الراحة والهناء وفق ما يُشير إليه، فعاد إلى لبنان ليفتح صفحة جديدة لفترة، مؤكّدًا أنّه “لن يعود إلى الكويت إلّا بحال حدوث بعض التعديلات القانونية منها إلغاء الكفالة التي كانت السبب في عودته”.

أمّا هاشم عبد الله وهو أب لـ 4 أولاد، فيُعبّر عن معاناته في محاولة إيجاد عمل لأولاده، معتبرًا “أنّهم منذ سنوات وهم يُحاولون إيجاد فرصة عمل مناسبة ولكن بلا جدوى”، ومؤكّدًا أنّهم “يبحثون عن فرصة للهجرة اليوم قبل الغد”.

أمّا أم محمّد فتروي لـنا أن ابنها “منذ سنتين تقريبًا هاجر إلى ألمانيا عبر قارب الموت، ولم تكن تصدّق أن ابنها البكر سيصل إلى ألمانيا حيًّا بعد كلّ ما سمعاه عن خطورة هذه القوارب”، مبدية خشيتها حينها من احتمال تعرّض ابنها لأيّ عملية نصب أو غش تُعرّض حياته للخطر… وبعد مرور سنتين، ترى أن “ما قام به محمّد كان الأنسب لأنّه لم يكن ليتحمّل كلّ العبء الذي نشهده حاليًا، وليس باليد حيلة لتجاوز هذه المحنة التي نعيشها”، مؤكّدة أنّه “يُساعدها ماديًا ويعيش حال نفسية أفضل ممّا كان عليه سابقًا، ولكنّها لا تُشجّع على فكرة الهجرة بهذا الأسلوب لأنّها من أخطر ما يكون”، وتقول: “لو حدث لإبني أي مكروه، لما كنت على قيد الحياة أبدًا”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً