البلد منهار… والنشل يا ستّار

جنى غلاييني

في لبنان فقط، فيما أنت سائر على الطريق تتحدّث في هاتفك، ومن حيث لا تدري يتم انتشاله من يدك بسرعة البرق من قبل شابين بطريقة احترافية بمجرّد مرورهما الى جانبك على دراجة ناريّة.

ومع رحلة الانهيار التي يغرق فيها هذا البلد، تزداد يوماً بعد يوم عمليات النشل والسرقات لترافق يوميات اللبنانيين ولتصيبهم بالخوف المستمر على أمنهم الاجتماعي. ومع الانفلات الأمني الحاصل أصبح الفقير يسرق الفقير في وضح النّهار غير مبال إذا ما تم الإمساك به أم لا، فهو ما عاد يفكّر إلّا بتأمين المواد الغذائية التي فقد قدرته على الحصول عليها بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة. فكم من الحالات التي وقعت ضحية نشل هواتفها وحقائبها على الطريق؟ وهل بات الأمن المجتمعي في خطر؟

في هذا الخصوص يوضح الدكتور في علم الاجتماع رائد محسن لـ”لبنان الكبير”، أنه “كلّما ارتفعت نسبة الفقر في لبنان كلما شهدنا ازدياداً في عمليات السرقة والنشل، وهذا الأمر قد يؤدّي الى انفجار اجتماعي وهذه أولى مظاهره الى جانب القتل، بحيث سيقوم الفقير بالقتل من أجل السّرقة”. ويرى أن “لبنان ليس ذاهباً الى انفجار اجتماعي وذلك نسبةً لسلوك اللبنانيين، لأنّ الشعب بمعظمه تابع للإقطاع الطائفي ومسلوب من قبل زعمائه، وبما أنّ زعماء الطوائف هم في مركز المسؤولية فالشعب لن ينفجر في وجههم، ولهذا نرى أنّ الفقير يسرق الفقير للحصول على لقمة خبز. لذا لن تكون هناك ثورة اجتماعية كما يجب أن تكون لأنّ الولاء هو للطائفة وليس للوطن”.

المواطن اللبناني الفقير مهدّد على الدوام، فبعد أن سرقته دولته وحرمته من أبسط حقوقه يأتي نشّالو الشوارع ليكملوا ما تبقى من دور الدولة، وكان لرامي غ. نصيب من عمليات النشل المنتشرة بكثرة في بيروت وضواحيها، وروى لنا ما حصل معه حين كان عائداً من عمله بعد الساعة السابعة مساء في إحدى زواريب منطقة بربور حيث كان يحمل هاتفه بيده لإجراء مكالمة هاتفية، ومن دون أن يدرك ما حصل مرّ شابّان على درّاجة نارية أحدهما يقودها فيما الثاني انتشل الهاتف من يده ليختفيا بلمح البصر. وقال: “لم أستطع فعل شيئ لأنني تفاجأت بما جرى ولم أدرك ما حصل معي الا متأخراً، ولكنّني حاولت بعدها اللحاق بهما فلم أجدهما، ما يعني أنّ الهاتف طار وكل مستندات عملي عليه طارت أيضاً، وللصراحة لم أبلّغ عن سرقة هاتفي لأنني على يقين بأنّ الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً وربّما لن يحدث شيئ وهاتفي لن يُعاد الي”.

وفي حادثة مشابهة تقول آية ش. انّها فيما كانت تركن سيارتها بعد ظهر أحد الأيام، والنافذة الى جانبها الأيمن شبه مفتوحة وهاتفها الحديث وحقيبتها على المقعد، فوجئت بشاب على دراجة نارية وقد أدخل يده من النافذة وانتشل الهاتف والحقيبة معاً وفرّ هارباً. وتضيف: “لم أستطع منعه إذ كنت أصرخ خائفةً من أن يحاول الحاق الأذية بي، وحاولت الخروج من السيارة سريعاً لأطلب النجدة ولكن لم يكترث أحد لي والشاب اللص لاذ بالفرار مسرعاً مع أشيائي المهمّة. وكان في الحقيبة مبلغ 300 دولار وآخر بالليرة اللبنانية وخاتم من الذهب، والهاتف يعتبر عملي ومن دونه لا أستطيع فعل شيئ”.

أمّا أ.د وهو شاب يعمل طيلة النهار ووقتاً إضافياً سعياً الى تأمين لقمة عيشه وتأسيس حياة لائقة له في بلد انعدمت فيها سبل الحياة، فيقول: “أنا أعمل في مطعم حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وحين أنتهي من العمل أفضّل العودة الى المنزل سيراً على الأقدام بسبب غلاء تعرفة السرفيس، وما كدت أصل الى المنزل حتى ظهر أمامي شابّان على دراجتهما النارية ورفعا السّكين في وجهي وهدّداني إذا لم أعطهما ما بحوزتي من مال وهاتفي فسيطعناني. فما كان مني الا أن رضخت لهما وأعطيتهما ما يريدان بعدما قلت لهما ان وضعي المادي ليس جيدا وحالتي الاجتماعية مثل حالتهما، ولكنهما طمعا حتى بهاتفي المكسور على الرغم من أنّ لا قيمة له وكنت أستخدمه فقط للمكالمات والتواصل على الواتساب. وأخذا أيضاً 200 ألف ليرة كنت سأتدبّر نفسي بها حتى نهاية الشهر، والآن أنا بلا هاتف كوني غير قادر على شراء آخر جديد حتى ولو كان مستعملاً”.

شارك المقال