كل هذه التضحية بأقل من 50$ّ!

آية المصري
آية المصري

ريما معلمة بالغة من العمر 30 عاما، إمراة مكافحة تربي الأجيال الصاعدة، لديها أسرة مؤلفة من ولدين وزوجها خليل يعمل في احد المصارف في منطقة الحمراء. تعمل في احدى المدارس الرسمية في منطقة الصنايع، وتعيش في منطقة البربير وبهذا تكون بحاجة الى 15 دقيقة كي تصل الى المدرسة. يملكان سيارتين في المنزل ونظرا لسوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية قرّرا بيع سيارة ريما والاعتماد على سيارة زوجها خليل الذي يبدأ دوامه في تمام الثامنة والنصف صباحا، وبهذا يوصلها الى المدرسة قبل ذهابه الى المصرف.

توقفت المدارس عن التدريس “أونلاين” واعتمدت الحضور الإلزامي، وتفاقمت الأزمات يوما بعد يوم على الشعب بأكمله مما أدى الى إتساع رقعة الكآبة لدى المعلمين وأهالي الطلاب. كما ارتفعت الإيجارات في بيروت مما دفع ريما وزوجها الى الانتقال نحو منطقة أخرى، فسكنوا في الطريق الجديدة، وباتت المدرسة التي تعلم فيها تبعد مسافة 20 دقيقة في السيارة و50 دقيقة مشيا على الأقدام. كما ارتفعت كلفة اشتراك المولدات والكهرباء ومصروف المنزل وباتوا يخافون من تفاقم الأزمة أكثر وأكثر، لكن ما باليد حيلة لان الرواتب ما زالت بالليرة اللبنانية ولا تتخطى 50 دولارا.

وفي ظل ما يعيشه لبنان تأثرت كل القطاعات وخصوصا أسعار المحروقات التي ارتفعت بشكل كارثي، فلم يعد بإمكان خليل التنقل كثيرا لان البنزين اليوم موجود وغدا مفقود، وراتب ريما لا يكفيها للتنقل في السيارة وبات السرفيس للأثرياء فقررت التنقل بواسطة النقل العام الذي يبقى أقل كلفة. وهذه الحال تنسحب على معظم المعلمين والمعلمات في لبنان فهم ذوو الضمير الحي في هذا البلد، وتحولت السيارات من الأساسيات الى الكماليات في الحياة.

نصف ساعة للوصول الى المدرسة ونصف ساعة للعودة الى المنزل، هذه حياة ريما وهذا الوقت الذي يضيع من عمرها سدى. تعود الى منزلها على عجلة من أمرها لإنجاز ما تبقى من واجبات ومهام عائلية ومنزلية، ولا تكاد تنتهي من الطبخ حتى يقرع الباب ويدخل الأولاد وتبدأ عملية التدريس وتحضير الواجبات المدرسية. هذه حياتها ومع كل هذه الانشغالات يبقى راتبها لا يتعدى الـ50 دولارا اي أكثر من مليون بقليل بسعر دولار اليوم. فهل سيبقى المعلم محروما من حقوقه؟ ولماذا لا تلجأ الجهات المعنية الى تقديم المساعدة لمربي الأجيال؟

وقالت ريما: “منذ ايام 1500 لم يكن الراتب يكفي حتى نهاية الشهر، فكيف اليوم؟ نحن من نربي الأجيال ومن نبني المجتمع هكذا أحوالنا المعيشية. أصبحنا مهمشين أكثر من قبل المؤسسات التعليمية والجهات المختصة. مع العلم ان كل شيء بات يسعّر بالدولار الاميركي، وميزانية المدرسة لا تسمح بإستعمال المستلزمات التي كنا نستخدمها في السابق. الطبشور وطبع الملفات والأوراق لم تعد كالسابق وطبعا التلميذ مظلوم أيضا وانا قلبي لم يعد يتحمل كل هذه الأعباء ولا يمكنني طلب المزيد من المسلتزمات من ذوي الطلاب”.

وفي هذا السياق، اعتبر رئيس رابطة التعليم الأساسي حسين جواد ان “المعلم بات يعيش حالة “ربي اعطنا خبزنا كفاف يومنا” والأجور انعدمت ولم تعد لها أي قيمة، والتقديمات والمساعدات التي وعدونا بها ما زالت ضمن إطار الوعد. والأستاذ بات همه تأمين بدل التنقل كي يصل الى المدرسة، وعلى الرغم من كل هذه الظروف والحالة السوداوية التي نعيشها هناك إصرار على إستكمال العام الدراسي لآخر لحظة لكن هناك حدود لا يمكن تجاوزها”.

وأضاف: “اذا لم تترجم الوعود من خلال التقديمات والحوافز التي اعلن عنها وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي مرارا وتكرارا عبر وسائل الاعلام سنقول في نهاية هذا الشهر كفى. فالأستاذ صاحب الضمير الحي والحريص على مصلحة الطلاب والمدرسة لم يعد قادرا على التحمل. وفي يوم عيد المعلم نتقدم بأحر التهاني لكل الطاقم التدريسي”.

ربما لو كان الشاعر أحمد شوقي بيننا لألّف قصيدة أخرى عن المعلم في لبنان، خاصة بعد كل ما يعيشه، ومن المؤكد ان ريما ليست حالة إستثنائية وهي تعكس حالة كل المعلمات والمعلمين في لبنان. “قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا…” لا وبل ملاكا كي يتحمل كل هذه الأعباء. فلولا المعلم لما كان بإستطاعتنا “تجميع الأحرف” لكتابة هذا الموضوع.

كل عام وانتم بألف خير…

شارك المقال