انحسار الدعم الخيري وعجز الدولة يهددان “مؤسسات الرعاية”

راغدة صافي
راغدة صافي

حتى هذه اللحظة لا تزال موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان تشكل واحداً بالمئة من اجمالي الموازنة العامة، يخصص جزء منها لمساعدة أكثر من 300 مؤسسة وجمعية اجتماعية منتشرة في كل المناطق اللبنانية تعمل على رعاية وإيواء وتأهيل وتعليم أكثر من خمسين ألف شخص بينهم الأطفال الأيتام وذوو الحالات الصعبة والأشخاص المعوقون وكبار السن والعجزة والمدمنون والنساء والأحداث. ويفوق عدد العاملين فيها الـ 25 ألف شخص بينهم أطباء وممرضون ومعالجون فيزيائيون وغيرهم من أصحاب الاختصاص. واليوم تواجه غالبية هذه المؤسسات ودور الرعاية، إن لم تكن كلها، أوضاعاً مأساوية بعدما وجدت نفسها وحيدة تصارع للبقاء في مواجهة ثالث أشد الأزمات الاقتصادية على المستوى العالمي بحسب تصنيف البنك الدولي!.

وفي الوقت الذي تقدم فيه هذه المؤسسات خدماتها نيابة عن الدولة، تقف هذه الأخيرة شبه عاجزة عن توفير أي دعم لها. اما المساعدات الخارجية التي كانت تحصل عليها فأصبحت خجولة ومحدودة جداً ومحصورة ببعض المبادرات الفردية أو المساهمات التي يقدمها عدد من مؤسسات المجتمع المدني. وفي المحصّلة، فان إمكاناتها لم تعد كافية لتغطية ولو جزء يسير من تكاليفها، وهذا السبب تحديداً دفع عدداً كبيراً من أعرق هذه المؤسسات وأقدمها الى التفكير جدياً في إقفال أبوابها بعدما باتت لا تستقبل أي حالات جديدة على الرغم من الارتفاع الهائل في طلبات الدخول.

ومجرد التفكير في الاقفال من شأنه أن تكون له تداعيات خطيرة ليس على المستفيدين من خدمات هذه المؤسسات والعاملين فيها فحسب، بل على الأمن الاجتماعي في لبنان برمته. وهنا يسأل المدير العام لـ “دار العجزة الإسلامية” الدكتور بدر زيدان عبر “لبنان الكبير”: “هل من يدرك جيداً معنى الرسالة الانسانية والاجتماعية التي نؤديها نيابةً عن الدولة عبر عقود الشراكة مع وزارة الشؤون الاجتماعية والتي نؤمن من خلالها شبكة أمان صحية اجتماعية على نطاق واسع؟”، مؤكداً أن “استمرارية هذه الدار في تأدية مهامها باتت محفوفة بالمخاطر، فوزارة الصحة مثلاً لا تزال تتبع تسعيرة متدنية جداً لا تكفي لتغطية عشرة بالمئة من الكلفة الحقيقية في الوقت الذي تم فيه رفع الدعم عن المحروقات وعن الدواء وعن المستلزمات الطبية أيضاً”.

ويقول: “ان مجتمعنا اليوم يتجه نحو الشيخوخة واستقراره بات مهدداً، ومن هنا نرفع الصوت لأصحاب المبادرات الفردية ومؤسسات المجتمع المدني ولمحيطنا العربي بشكل خاص وندعوه الى مساعدتنا للمحافظة على استمرارية هذه الدار التي تأسست قبل سعبين عاماً لتتمكن من متابعة رسالتها”.

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية ارتفعت أعداد المطالبين بالافادة من الخدمات التي تؤمنها “دار العجزة” التي وجدت نفسها عاجزة عن استقبالهم والوقوف الى جانب المحتاجين منهم، حتى أن ادارتها تفكر جدياً في الوقت الراهن في إقفال قطاعات كاملة كانت تغطي الأمراض العقلية والنفسية، فهل من يسال عن مصير هؤلاء المرضى أو يتخيل ما ستكون عليه تداعيات ذلك على الاستقرار الاجتماعي الهش أساساً؟.

اما جمعية “سيزوبيل” فليست أفضل حالاً على الاطلاق، اذ بعد أكثر من 40 عاماً على توفير الخدمات الاجتماعية والصحية لأكثر من عشرة آلاف طفل مصابين بالاعاقة وتقديم الدعم لأهلهم، وبعد فترة إقفال قسرية وعودة جزئية الى العمل، لا تزال تكافح للبقاء. فاقفال مؤسسة كـ”سيزوبيل” أمر له ارتدادات قوية وتداعيات قد تطال استقرار عائلات بأسرها وهذا أمر اذا ما حصل فسيؤدي حكماً الى إحداث خلل في التوازن الاجتماعي. وتتساءل مديرة المؤسسة فاديا صافي”كيف بإمكاننا الاستمرار في تحمل تكاليف تعليم هؤلاء الأطفال وعلاجهم وتأهيلهم بعد كل ما عانيناه ولا نزال جراء الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعصف بالبلاد منذ العام 2019 وما نتج عنها من تدهور للعملة الوطنية وارتفاع نسبة البطالة ونسبة الفقر وحجز أموالنا في المصارف؟”.

وتشير الى أن “إعادة فتح أبوابنا جزئياً لا يشكل حلاً على المدى البعيد، لذا كثفنا حملات جمع التبرعات المالية أو العينية وأنشأنا وحدة استجابة للأزمات لتلبية الحاجات الملحة، ولكن معاناتنا لا تزال كبيرة ولا بد لوزارة الشؤون الاجتماعية من إعادة النظر في التعرفة التي حددتها والتي لا تزال على ما هي عليه منذ أكثر من عشر سنوات، كما عليها المباشرة من دون تأخير بدفع المستحقات المتوجبة عليها لمؤسسات الرعاية لتتمكن من الصمود وتجاوز الأزمة”.

لا شكّ في أن تزايد الضغوط على نظام الحماية الاجتماعية الهش أصلاً مترافقاً مع ارتفاع منسوب الاضطرابات الاجتماعية من شأنه أن يضرب ما تبقى من شبكة الأمان الاجتماعي التي يهدف وضعها في الأساس الى تأمين الاستقرار والأمن للمواطن والحفاظ على حقوقه وصون كرامته، وبالتالي فان غيابها سيشكل غياباً كلياً لكل تلك الركائز، فهل من يتخيل ما ستكون عليه الصورة في حال حدث ذلك اذا لم تبادر الجهات المعنية الى تحمل مسؤولياتها؟

شارك المقال