8 ملايين ليرة لا تكفي لشراء سلة غذائية صحية

عبدالله ملاعب

لا أرقام رسمية لعدد العاملين في القطاع العام اللبناني، لكن الدراسات تظهر أن هذا القطاع الذي كان باباً للزبائنية السياسية قبل كل إنتخابات نيابية يشكل اليوم بين 25 و30% من القوى العاملة في لبنان التي لا تزال تعمل ضمن قاعدة واحدة مفادها أن الحد الأدنى للأجور يبلغ 675,000 ليرة لبنانية، كانت تساوي في أيلول 2019، 450 دولاراً، ووصلت قيمتها في عز الإرتطام خلال كانون الأول 2021 الى أقل من عشرين دولاراً عندما تخطى سعر صرف الدولار عتبة الثلاثين ألف ليرة لبنانية.

مؤخراً، شهدت الليرة اللبنانية تحسناً كبيراً أمام الدولار الأميركي، إذ تراجع سعر صرف الدولار الواحد من 33 ألف ليرة الى أقل من 20 ألف ليرة بين في أواخر كانون الثاني وأول شباط 2022 بفعل ضخ مصرف لبنان الدولارات الأميركية في السوق، وتنفيذه سياسة دفع رواتب العاملين في القطاع العام بالدولار حسب منصة “صيرفة”. مع ذلك، بقيت القدرة الشرائية منخفضة لا بل تراجعت أكثر، إذ يخسر الموظف من قيمة راتبه بفعل هذه “الحيلة” المصرفية التي تترافق مع علاقة غير منطقية بين منحى أسعار السلع الغذائية وسعر صرف الدولار في السوق السوداء، إذ تكون العلاقة إيجابية عند إرتفاع سعر صرف الدولار (فترتفع أسعار السلع) وتصبح العلاقة عكسية لامنطقية حينما ينخفض سعر صرف الدولار فتبقى أسعار السلع والخدمات مرتفعة بفعل عوامل عدة أبرزها: غياب الرقابة على التجار والبائعين وسط غياب أي سلطة إجرائية حقيقية لوزارة الاقتصاد والتجارة لوقف جشع المتلاعبين من التجار الذين يشترون على “الرخيص” ويبيعون على “الغالي”.

هذا الواقع حاولت كتلة “اللقاء الديموقراطي” معالجته عبر إقتراح قانون قدمته في منتصف كانون الثاني الماضي لتشديد العقوبات على التجار الذين يمارسون الغش في تسعير السلع والخدمات من خلال ثلاثة إجراءات: زيادة الغرامات المالية، السماح لوزارة الاقتصاد بالدخول الى المتاجر من دون موافقة أصحابها، وإعطائها صلاحيات ختم المتاجر بالشمع الأحمر وتحويل المخالفين الى القضاء لاتخاذ إجراءات قانونية فورية بحقهم. الاقتراح لم يبصر النور الى اليوم ليدخل في متاهات اللجان النيابية التي قد تفرغه من مضمونه كما فرّغت قانون المنافسة الذي، للمفارقة لا يلغي الاحتكارات بل يلغي الحماية التي تفرضها الدولة من أجل فرض الحصرية على الوكالات.

ما لم تستطع الدولة معالجته حينما شهد سعر صرف الدولار انخفاضاً لن تستطيع حله اليوم مع عودة الدولار الى إرتفاعه ودخول العالم إلى مشارف أزمة إقتصادية عالمية بفعل القتال في شرقي أوروبا القائم بين روسيا التي تنتج ما يقارب 12% من نفط العالم و17% من الغاز الطبيعي، مقابل أوكرانيا التي تنتج 12% من قمح العالم و16% من الذرة. مع الإشارة الى أن معظم واردات لبنان من القمح والزيت تأتي من روسيا وأوكرانيا.

بالتالي، دخل عامل جديد على الارتطام الاقتصادي اللبناني ليزيد أسعار المواد الغذائية المرتفعة أصلاً. وفي السياق، أوضح رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي في إتصال مع “لبنان الكبير” أن أسعار المواد الغذائية إرتفعت في بلد المنشأ لا سيما في الدول التي تصدر المواد الأولية التي تأتي أيضاً من روسيا وأوكرانيا، مشيراً الى أن العديد من الدول المصدرة للمواد الغذائية قررت التوقف عن التصدير كالجزائر مثلاً التي تصدر السكر الى لبنان وذلك بسبب الأزمة، مما رفع من أسعار هذه المواد في السوق العالمية وبالتالي في لبنان. واعتبر “أننا نعيش اليوم حرباً إقتصادية عالمية وأسواقه لا تنتظر لبنان”.

عليه، بات لبنان أمام ثلاث مسلمات ستضعف القدرة الشرائية أكثر: الأولى غياب آليات مكافحة الاحتكار وجشع بعض التجار. الثانية إرتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات عالمياً (مثلاً أصبح سعر طن القمح العالمي 100$). والثالثة الارتفاع في الأسعار الذي سيفرضه حكماً ارتفاع الطلب على المواد الغذائية في شهر رمضان “رغم كل شي”.

وفي الاطار، قالت علا صيداني منسقة البرامج في مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت لـ “لبنان الكبير”: “إن العائلة المؤلفة من 5 أفراد تحتاج في الوقت الراهن الى حوالي 8,580,000 ليرة لبنانية شهرياً لتحافظ على قدرتها لشراء سلة غذائية صحية”.

أضافت: “كانت هذه القيمة قد بلغت حوالى 7,192,000 ليرة في شهر كانون الأول 2021 حين وصل سعر الصرف الى 27,500 ليرة للدولار، ومن ثم إرتفعت الى حوالى 9,317,000 ليرة لبنانية في مطلع شهر كانون الثاني 2022 حين وصل سعر الصرف الى حوالى 25,200 ليرة للدولار”. وأكدت أن غياب التلاؤم بين أسعار السلع الأساسية وسعر صرف الدولار “يعكس مخاطر كبيرة على الأمن الغذائي للأسر، خاصة من الفقراء وذوي الدخل المحدود”.

وفي السياق، سألنا وزير العمل مصطفى بيرم عن إقتراحه لرفع الحد الأدنى للأجور، فأوضح في اتصال مع “لبنان الكبير” أنه أرسل الى مجلس شورى الدولة “مشروع مرسوم لزيادة مبلغ قدره مليون و325 ألف ليرة على الحد الأدنى إلى سقف من يتقاضى 4 ملايين ليرة، والمجلس اليوم يدرسها”، مؤكداً أنه وفور إستلامه “سيوقعه ويرسله الى وزير المال ورئيسي الجمهورية والحكومة ليوقعوه فيصبح حيّز التنفيذ”.

في الختام، يُترك اللبناني سواء كان عاملاً في القطاع العام أو الخاص، بمفرده في مواجهة أزمتين الأولى محلية والثانية عالمية. والأكيد أن الإدارة اللبنانية تُمعن في فشلها بحماية القدرة الشرائية للمواطنين الذين تلاحقهم لعنة السلطة الى دول مدّت يد العون الى اللبنانيين فلم تأخذ من الحكام الفعليين الا “الكبتاغون” وقياديين ميليشياويين يدرّبون في اليمن ويشكلون شبكات تجسس في دول مجلس التعاون الخليجي.

شارك المقال