مسيرة أسدية لا تفسد الود بين جبل محسن وباب التبانة

إسراء ديب
إسراء ديب

عادت ذكريات مسلسل الاشتباكات في طرابلس بين منطقتيّ باب التبانة وجبل محسن، التي توقفت عام 2014، جراء قيام عدد من أهالي الجبل بمسيرة مناصرة لرئيس النظام السوري بشار الأسد المرشح للانتخابات الرئاسية، وهو ما لم يتقبله شبان من باب التبانة معتبرين المسيرة استفزازية مثيرة للنعرات من جديد.

المعروف أن طرابلس عاشت أياماً سوداء في مسلسل الاشتباكات بين باب التبانة وجبل محسن. ولم يجنِ كلا الطرفين أيّة أرباح منها، ولم يحصدوا منها سوى القهر والفقر والذل والويلات، فضلًا عن خسارة الكثير من الضحايا “الفقراء” في مناوشاتٍ شبه يومية. ولم يُصدّق الأهالي تنفيذ الخطة الأمنية التي انطلقت عام 2014، التي كسرت الجليد بين أبناء المنطقتين، وأنهت المعارك التي جعلت من المدينة صندوق بريد لتبادل الرسائل السياسية بأبشع الطرق.

الواضح خلال جولة ميدانية لموقع “لبنان الكبير” أن المنطقتين المتجاورتين غير مستعدتين لخوض أي حرب أو لحصول إشكال صغير حتّى، فهما تريدان فعلا الخروج من الكابوس الاقتصادي وإيجاد فرص العمل كي لا يتم استغلال عوزهم من قبل أحد.

وتبين لنا خلال الجولة ان جلّ الشبان في باب التبانة مثلًا، لا يعرفون أن مسيرة ما جرت في جبل محسن، والبعض منهم اعتقد أنّ المسيرة حصلت في منطقة عكارية لا في المنطقة المجاورة.

ويقول بائع مكسرات وسكاكر في شارع سوريا: “لا أعتقد أنّ الاشتباكات ستعود يومًا إلى هذه المنطقة، فنحن عانينا كثيرًا واكتفينا، ولا رغبة لأحد في الخوض في معترك الحروب التي لا قيمة لها، فإذا كسر زجاجي أو دُمّرت ممتلكاتي هنا، فمن سيقوم بالتعويض عليّ؟… لن نضطر لخوض هذه الحرب لأنّ لا حرب حقيقة بدون سبب، ولا يوجد سبب فعليّ وواقعيّ لها الآن”.

أمّا عليّ ر. (26 عامًا) وهو من باب التبانة، فلا يرى احتمالاً فعلياً لوقوع اشتباكات، ويقول: “من سيرتكب هذه الجرائم في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة، كلّنا فقراء ونعاني؟ نحن وجبل محسن منطقة واحدة ونتوحد أكثر اليوم، بسبب الأزمات التي نواجهها مؤخرًا وكلّ ما يُثار على مواقع التواصل الاجتماعي مجرّد إشاعات وكلام لا قيمة له، ومن يقف خلف الشاشة لا يُدرك خطورة الموقف الذي يُطلقه في هذه الأوقات الصعبة”.

ويعتبر ناشط إعلامي من جبل محسن أنّ “ما حصل في جبل محسن حرية شخصية ولا يُقصد منه الدعوة إلى أيّ اشتباك، فمنطقيًا الجبل تابع لسوريا ويُناصرها، ولكنّ لم نقصد أن نثير غضب أحد أو نستفز أيّ طرف، وأنّ الدعوة كانت فردية وليست من أيّ منظمة، ومن المستحيل أيضًا أن تحصل ضربة كف لأنّ الأمن هنا بات خطًا أحمر”.

ويقول: “أكبر كذبة أطلقها السياسيون هي الاشتباكات بين جبل محسن وباب التبانة، فهي مشروع أمني لا طائفيّ، وأيّ طرف سيلعب بالنار سيكون مصيره السجن، وبالتالي لا نطلب حربًا بل نطلب حياة كريمة وفرصة عمل، كما نحتاج إلى الأمان الذي لم نشعر به منذ زمن في دولة تُهملنا وتُهمل حقوقنا”، مؤكّدًا أنّ “أكثر المشكلات التي تعيشها المدينة هي ارتفاع نسبة السرقة والنشل بسبب الفقر”.

ويُضيف: “الحرب خسّرتنا الكثير، فقد فقدت خالي وصديقين لي، كما خسرت خطيبتي منذ عام 2008 لأنّني فقدت الكثير من المال وفقدت قدرتي المادية في ذلك الوقت. الحرب دمّرتني ودمّرت كلّ شيء جميل في حياتي، ولكنّ الحياة مستمرّة على الرّغم من كلّ الصعوبات”.

ويُتابع الناشط الإعلامي: “في طرابلس خيرات وكنوز كثيرة، حتّى في جبل محسن وباب التبانة لو قامت الدولة بمشاريعها الاستثمارية لتطوير الكثير من المرافق أو المراكز الأثرية هنا، بدل تدميرها لكنّا في مكانة أفضل من تلك التي وصلنا إليها، فالبعض يُريدون دفع طرابلس لتكون ساحة حرب لتدميرها وتدمير اقتصادها أكثر. ولكن أهالي المدينة ليسوا مستعدّين لأيّ خطوة عنيفة”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً