“ثلجة” آذار تزيد صقيع اللبنانيين بلا تدفئة

راما الجراح

لطالما عرف شهر آذار بـ “الغدار حامل سبع ثلجات كبار”، وبأن برده “بقص المسمار”، وبالفعل “بيّضها” آذار هذه السنة و”ابيضّت” معه جيوب اللبنانيين، فكانت هذه “الثلجة” من أقسى ما مرّ على لبنان وأصعبه ليس بسبب البرد القارس وكثافة المتساقطات وحسب، بل أيضاً لقلة حيلة الناس وعدم قدرتها على تأمين حاجتها للتدفئة إن كان من المازوت، أو الحطب، أو حتى الغاز، حتى اكتفى الكثير من العائلات بـ “الحرامات” طلباً للتدفئة وليتقوا وأولادهم شر البرد حتى لا يصيبهم أي مرض، فحتى الدواء أصبح شراؤه هماً آخر يضاف الى همومهم.

اعتاد اللبنانيون قبل قدوم فصل الشتاء الذي يستمر لحوالي خمسة أشهر على تأمين مستلزمات التدفئة، ولكن في تلك الفترة أي في شهر أيلول من العام الماضي كانت أزمة المحروقات في ذروتها، والمحطات ملأى بالطوابير، والدولار “طاير”، فلم يكن باستطاعة المواطن تعبئة خزانه كما في السابق. واليوم مع ثلوج آذار غير المتوقعة علت الصرخة مجدداً، من شمال لبنان إلى جنوبه، عائلات بالمئات لا بل بالآلاف من دون تدفئة.

يوضح أبو حسين وهو أحد بائعي الحطب في منطقة البقاع لـ “لبنان الكبير”، أن “كل بيت يحتاج تقريباً الى حوالي ٦ أطنان من الحطب طوال موسم البرد، وكان سعر طن الحطب حوالي ٧٥٠ ألف ليرة العام الماضي، وارتفع بشكل ملحوظ هذا العام ليتراوح بين ٤ إلى ٥ ملايين ليرة لبنانية، أي ما يساوي حوالي ٥ أضعاف رواتب الزبائن الذين أعرفهم منذ زمن طويل ويستخدمون الحطب للتدفئة بما يتناسب مع قدرتهم المادية، وهكذا دمرونا ودمروا الناس، حتى وصلت الأمور ببعض العائلات إلى وضع أحذية قديمة في الموقد لتدفئة أطفالها!”.

المأساة مستمرة واللبناني المُنهك من الوضع الاقتصادي لا يزال يعاني صعوبة في تأمين تدفئة لمنزله. ويروي أبو فادي معاناته: “اعتمدت طوال حياتي على الحطب كوسيلة للتدفئة، واليوم وأنا بعمر الستين أبحث كل أسبوع عن نشارة خشب في المناشر القريبة والبعيدة وأقوم بتجميعها كي نصمد أنا وعائلتي أقله حتى نهاية شهر آذار فقط، وأدعو الله أن يُذهب عنّا البرد وينتهي فصل الشتاء لأننا هلكنا!”.

المأساة نفسها وأصعب في الشمال، فالصعوبات التي يعانيها المواطن وخاصة مع وصول العاصفة الأخيرة فتحت باب الحملات من الناس الطيبين لمساعدة أهاليهم في عكار وفنيدق وغيرها. ويؤكد أحد المشرفين على إحدى الحملات أن ما يحصل “بكبر القلب”، مشيراً الى أن “هناك أناساً فتحوا بيوتهم لاستقبال أهلهم الذين لا يملكون أي وسيلة تدفئة في منازلهم، ويتم العمل اليوم على جمع الأموال لتأمين أكبر قدر من الحطب أو المازوت لهم حتى أواخر آذار أي مع بداية فصل الربيع وانحسار البرد إن شاء الله”.

من جهتها رأت السيدة غوى التي تعتاش من دكان صغير في أحد أحياء بيروت أنها “حاولت بكل الطرق استخدام وسيلة للتدفئة بشكل جيد، أولاً المدفئة الكهربائية، وللم استطع الصمود معها بسبب التقنين القاسي من جهة وفاتورة الكهرباء العالية من جهة ثانية، وبعدها استخدمت مدفئة على الغاز علها تكون الأوفر، ولكن مع الغلاء الفاحش أيضا لم أستطع الصمود معها، والآن أفكر جدياً بكيفية وضع موقد حطب في بيروت وهذا غريب جداً ولكن إذا لم أستطع إيجاد وسلة بديلة سأضطر إلى إقفال باب رزقي الوحيد في حال استمر الوضع على حاله للعام المقبل”.

تعاني الكثير من العائلات التي لا يتجاوز دخلها اليومي الدولار الواحد من حدة البرودة، ففي منازل البقاعيين لا مازوت ولا حطب والوسيلة المعتمدة هي البطانيات و”النومة بكير”، وفي أحياء بيروت الفقيرة لا كهرباء ولا غاز والوسيلة الوحيدة هي البطانيات أيضاً، وفي الشمال اللبناني البطانيات مجرد تفصيل، ويبحثون عن مأوى “يدفيهم”!

شارك المقال