الحرب أنهت كورونا!

تالا الحريري

عند ظهور فيروس كورونا للمرّة الأولى، استقطب اهتمام جميع المؤسسات الاعلامية وبات حديث الساعة عند الناس. انتشر الهلع بين الجميع، انعدمت التجمعات، وخلت الطرقات من البشر.

غاب الفيروس لفترة في أعقاب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وظهور الطوابير أمام المحطات والأفران والصيدليات ومحال الصيرفة وغيرها، حتى بات الناس لا يكترثون له على الرغم من تقاربهم الشديد أثناء وجودهم في هذه الطوابير. كانت الأرقام تتصاعد تدريجياً في جميع أنحاء العالم بينما الاعلام شبه غائب عن هذه القضية، حتى اقترب موعد رأس السنة، فعاد ليسلط الضوء على مخاطر التجمعات، مع ارتفاع الأرقام بشكل مخيف.

ظهرت متحورات وسلالات متتالية لكورونا، ارتفعت نسب إشغال الأسرّة في جميع الدول وكأنّ الجميع فقد سيطرته على إحتواء الفيروس كما حصل أول مرّة. عاد الاعلام ينشر الأخبار بكثافة ويستذكر ضرورة تلقي اللقاح والتشديد على أخذ الجرعة الثالثة مع احتمال وجود جرعة رابعة لأن الوضع ما عاد يحتمل.

وفجأة، بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، سُرقت الأضواء من كورونا واتجهت الأنظار الى هذه الحرب وانصبت الجهود على التنافس الاعلامي في تغطيتها. لا ننكر أهمية هذا الحدث العالمي الذي أثّر أيضاً على لبنان بالدرجة الأولى من حيث استيراد الزيت والقمح والمحروقات، لكنّ أسابيع عدة مرّت ولم نر أحداً يلتفت الى فيروس كورونا الذي قد ينفجر في أي لحظة بسبب عدم إيجاد علاج جذري أو دائم له. انشغل الجميع بالحرب وتأثيراتها وتخلّوا عن الكمامة والوقاية الشخصية والمجتمعية، وعلى الرغم من إمكان الحاجة الى جرعة رابعة وظهور سلالة جديدة، لم يعبأ الاعلام بالبحث في الموضوع أو إعطاء تفاصيل للناس قد تنبههم الى ما ينتظرهم.

الاعلام اليوم بات منبهاً للجميع في كل مجالات الحياة، ومحقّقاً في الكثير من الأمور الغامضة، لذلك فإنّ أي قضية يتوقف عن التحدث فيها تتلاشى بمرور الأيام. لذا، نلاحظ مدى أهمية الاعلام وتأثيره ايجاباً وسلباً على حياة الأفراد وقدرته على إثارة الحرب أو خلق السلام.

في هذا السياق، أوضحت الأستاذة الباحثة في علوم الاعلام والاتصالات مي عبدالله لـ “لبنان الكبير” أنّ “هناك حدثاً استقطب كل الاهتمام ونتيجة لذلك لا أحد يتكلّم عن سواه. ففي الأساس الاعلام يتأثّر بالحدث، والحدث الأساس عالمياً اليوم هو الحرب الروسية – الأوكرانية”.

وعن نسيان الناس وجود فيروس كورونا، قالت: “تخطّى الناس مرحلة الانبهار والقلق الأولي من جائحة كورونا، والموضوع الصحي في الأساس خفّ قبل اندلاع الحرب لكننا شعرنا بهذا التراجع عندما جاء حدث آخر وأخذ الأولوية. فالاعلام يقوم بالبث حسب ترتيب الأجندة، لأنّ الأحداث هي التي ترتب أولويات رئيس التحرير والاعلاميين. فإذا كانوا يعطون الأولوية للخبر الميداني والحرب العسكرية والصراع العالمي لأنّ هذه الأمور مؤثرة اليوم أكثر من غيرها”.

أضافت عبدالله: “أنا أشك في أنّ الاعلام كان صانع كورونا، بل إنّ الحدث الصحي كان طاغياً ومستحوذاً على اهتمام الجميع. أمّا إذا كان الاعلام يريد التسويق للجائحة وقام بها، فأنا أؤيد نظرية أنّه كان مشاركاً في إعطاء هذه الأهمية للوباء وربّما أعطاه حجماً أكثر مما يستحق”.

ولفتت الى أن “هناك نظريات تقول إنّها مؤامرة الاعلام الدولي الذي فرض على الاعلام كلّه في العالم أن يعطي الأهمية لهذا الوباء. كما أنّ هذا الاهتمام بدأ من الاعلام الأميركي والغربي وربما كانت هناك نوايا لتضييع المجتمعات وجعلها تضعف وتحتار وتعيش تحت قلق وضغوط نفسية. لكن لا يمكننا أن نتبع هذه النظريات كثيراً، فكل المجتمعات تأثرت لا سيّما الأميركية منها أي أنّ المؤامرة لم يكن هدفها مجتمعات معينة أو الشرق الأوسط فقط”.

وعما إذا كانت الدول تتحكم بتوجيه الاعلام حسب سياساتها، اعتبرت أنّه “لم يعد هناك وجود لأي دولة في الدول العربية فقد سقطت جميعها، لكن الجهات السياسية المهيمنة هي التي تملك وسائل الاعلام”.

وشددت على وجوب “التحدّث عن الحرب النفسية التي بدأت أساساً قبل الحرب الروسية – الأوكرانية وستستمر. المشهد أمامنا أكّد التأثير القوي لوسائل الاعلام والاتصال على الناس وعلى المجتمعات وقدرتها على خلق القلق وإزالته. اليوم لم يعد الناس خائفين نفسياً لأنّ الاعلام ما عاد يتكلّم عن الجائحة وبالتالي دوره كبير جدّاً في القدرة على التأثير والاقناع، فهو سلاح ووسيلة أساسية في كل الحروب سواء الباردة أو الساخنة، فمثلاً الحرب قد تكبر أو تصغر بحسب ما يريد الاعلام وكلّه تضليل وفبركة وتركيب صور وتلاعب بعقول الناس. لذلك نرى أنّ موضوع الصحة تشعّب كثيراً في عقول الناس في كل دول العالم”.

 

 

 

 

 

شارك المقال