رمضان الجنوب: لا رفاهيه في سفرته… والاتكال على “الاعاشات”

نور فياض
نور فياض

يقرع شهر رمضان الكريم أبواب المسلمين في لبنان وهم يعانون كما سائر اللبنانيين أزمات جمة، اذ أن الحالة الاقتصادية فاقمت حالتهم فجعلت الفقر يحاصرهم والغلاء يضيق عليهم الخناق. ولم تقتصر هذه الحالة على الأزمات المحلية فاللبناني “بكل عرس الو قرص”، فالحرب الروسية – الأوكرانية ساهمت في ارتفاع معاناته بعدما تسببت بزيادة أسعار بعض المواد المستوردة ولا سيما القمح والزيت، أو شبه فقدانها.

تقول خديجة (أم لولدين) وهي من طبقة متوسطة تسكن في مدينة النبطية، لـ “لبنان الكبير”: “شراء مونة شهر رمضان أصبح عادة قديمة بسبب أسعارها الجنونية فكيلو اللحمة وصل الى ٢٣٠ ألف ليرة وجاط الفتوش بات يكلّف ١٠٠ ألف ليرة، وهذه الكلفة قد تتغير من يومٍ الى آخر حسب ارتفاع الدولار، اضافة الى أنه لا يمكنني حفظ ما أحتاجه من اللحوم والدجاج ليس بسبب الغلاء وحسب، انما أيضاً لعدم توافر الكهرباء بصورة معقولة، فبالكاد تصل كهرباء الدولة الى ساعة في اليوم، والاشتراك مقنن لذلك نشتري كل يوم بيومه”.

وتضيف: “استغنينا عن الجلاب لارتفاع سعره ومن المؤكد أننا سنستغني عن الحلويات التي كنا في السابق نشتريها يومياً وننوّع في أصنافها، ولكن في ظل الأزمة الاقتصادية أفضّل صرف المال على الأصناف الأساسية، لأن القوت اليومي هو الأهم في هذه الظروف الصعبة التي نعانيها.”

في المقابل، تؤكد دلال أنها وعائلتها الصغيرة لن يمتنعوا عن تناول ما يحلو لهم، وتقول: “صحيح أننا نمر في أزمة ولكن رمضان يأتي مرة واحدة في السنة ويجلب الخير معه، فلا أستطيع أن أحرم ابنتي الصائمة من مأكولات تحبها. ورمضان هذا العام مختلف عن السابق، فالعصائر من تمر هندي وجلاب، كما الحلويات الرمضانية من قطايف وكلاج وحلاوة الجبن وغيرها ستكون شبه خارج قائمة رمضان، وشراؤها سيقتصر على مرتين كحد أقصى”.

وتتابع: “أقل مائدة في رمضان تكلف ٣٠٠ ألف ليرة اذا لم تتواجد فيها اللحمة، لذلك من الممكن أيضاً أن أصطحب ابنتي الى أحد مطاعم المدينة لتناول الافطار مرة خلال هذا الشهر، فالكلفة نفسها أو أقل اذا ما احتسبنا ثمن الغاز والارهاق في تحضير الافطار في المنزل”.

وتختم: “الله ما بيترك حدا خاصة في هذا الشهر الفضيل بحيث يقدّم الكثيرون الاعاشات لجميع أبناء المدينة بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي.”

اما بالنسبة الى السوبرماركت فتشهد حركة طبيعية، قلة من الزبائن تموّن عن الشهر كله خوفاً من ارتفاع الاسعار في الأيام المقبلة، فيما الغالبية تكتفي بشراء بعض المستلزمات الأساسية لاستقبال الشهر الفضيل، ولكن الصنف الوحيد الذي لا يزال صامداً على الرفوف هو الجلاب، اذ بات واضحاً أنه الحلقة الأضعف هذه السنة.

في الاتجاه الآخر من الجنوب وتحديداً في مدينة صور المشهد مماثل تقريباً لمشهد النبطية، والاختلاف البسيط أن نسبة الاغنياء في الأولى أكثر من الثانية، وكذلك يتواجد في صور عدد أكبر من المطاعم، وفي كلتي المدينتين عروض للافطار أو السحور تناسب جميع الفئات.

وتأكيداً على ذلك، تشير رنا كنعان التي تعيش مع والدتها وابنها في مدينة صور، الى أن “صور فيها الكثير من الأغنياء ومن يقول عكس ذلك يكذب، فمن يقدر على تفويل سيارته والكزدرة في شوارع المدينة والذهاب يومياً الى المقاهي، من المؤكد أنه يستطيع التنويع في سفرته”.

وتضيف: “الفقراء متواجدون في كل لبنان ولكن تختلف نسبتهم من منطقة الى أخرى. ففي صور نسبتهم ضئيلة وليس بإمكانهم الافطار في المطاعم وحكماً سيتخلون عن أصناف عدة ولكنهم يعتمدون على الاعاشات التي توزّع في رمضان من كل عام. وبالنسبة لي سأستغني عن الجلاب الذي يتراوح سعره بين ٧٥ و١٥٠ ألف ليرة، وهو لا يعد ضرورياً. نحن لسنا أغنياء ولكن الحمد لله عايشين. اما الحلويات الرمضانية فلن أشتريها، بل سأحضّرها في المنزل بسبب الغلاء الفاحش الذي يطالها في المحال وأيضاً لن أتبضّع عن الشهر كله بل كل يوم بيومه.”

في مشهد آخر، يصف محمد علي السريس حالة المواطنين في مدينة صور بالقول: “في السوبرماركت التي قصدتها رأيت انّ غالبية المواطنين تتهافت على شراء المواد الغذائية خوفاً من ارتفاع الأسعار في الايام المقبلة، وهذا أمر طبيعي فالأسعار تزداد بوتيرة عالية بين أسبوع وآخر، ولفتني النقص في بعض المواد كالطحين والسكر وغيرها”.

ويعتبر أن “المعجنات والرقاقات والمشاوي أصبحت حلماً لدى العديد من العائلات وخاصة الفقيرة منها، فهي ستلجأ أيضاً الى التخفيف من مكونات الفتوش وكميته على الرغم من أنه الطبق الرئيسي في الشهر الفضيل ولكن كلفته صارت باهظة ولم يعد بالمستطاع شراء جميع مكوناته، والألوان التي يتميّز بها ستختفي ليصبح ذا لون واحد”، مشيراً الى أنه “على الرغم من الأزمة الاقتصادية الا أن الزحمة تعم مدينة صور وخاصة في مطاعمها التي بدأت بنشر قوائمها الرمضانية بأسعار تناسب جميع الطبقات”.

اما في قضاء صور فيقول علي من بلدة سلعا: “الفرحة ناقصة هذه السنة، ولطالما انتظرنا قدوم رمضان شهر الخير ولكنه هذا العام يفتقد للخير الداخلي ويرحب بالخير الخارجي. وكما بات معلوماً أن أقل مائدة افطار تساوي راتب موظف لبناني، لذلك نعتمد على التحويلات التي يرسلها لنا اخوتي في بلاد الاغتراب لأتمكن أنا وعائلتي من شراء مستلزمات رمضان، وعلى الرغم من ذلك فنحن نشتري الحاجات الأساسية فقط، فالتبذير والترف من العادات التي استغنينا عنها منذ العام ٢٠١٩ مع بداية الأزمة الاقتصادية. الحمد لله لدينا مغتربون يساعدوننا ولكن الله يعين الفقير الذي لا يعرف أحداً”.

يأتي رمضان هذه السنة حاملاً معه غصة لدى الطبقة الفقيرة فهو الأصعب عليها هذا العام، وستتخلّى مجبرة عن أساسيات كثيرة في مائدة الافطار، لأنّ قدرتها الشرائية لم تعد تسمح بذلك، بعد أن كانت هذه المائدة في لبنان مضرباً للمثل في المنطقة العربية، لما تحتويه من لحوم ودجاج وأرز فضلاً عن الفتوش… وكلها أطباق رئيسة أصبحت اليوم رفاهية على موائد اللبنانيين. وهذه المائدة تبلغ كلفتها بالحد الأدنى ٣٠٠ ألف ليرة ان كانت تحتوي على الفتوش وطبق آخر، وكلما زادت الأطباق ارتفعت الكلفة. ولكن يبقى اتكال هذه الطبقة على الاعاشات، فهل ستسارع الأحزاب والمنظمات الى “بحبحة” كرتونة الاعاشة قبيل شهر ونصف الشهر من الانتخابات؟!”.

شارك المقال