الـ “أوف” تتأرجح… والزجل ينتظر دعم “رياحينه”

نور فياض
نور فياض

“باقة من الرياحين قرب رابية من الحطب”. هكذا وصف جبران خليل جبران الزجل الذي بات اليوم شبه منسي.

عادة تحت وقع الـ “أوف” وعلى صوت الدف تشتعل المنافسة بين الزجالين وتكون غالباً مرتجلة، ونادراً محضّرة مسبقاً، والخس والخضار شاهدين على ذلك.

يتحلى الزجّال بسرعة بديهته، وقدرته على الارتجال، والتعبير عن كل ما يعترض حياته من خلال شعره المعبّر. ويتغنى بالأمجاد والوطن والطبيعة والجمال بكلمات تحمل الدفء والسحر. ويعتبر الزجل مسرح الحياة اليومية التي نعيشها بجميع قواعدها، ويتناقله الناس في جلساتهم وسهراتهم، فالمئات بل الألوف منهم يستمعون الى الزجّال، وتهتز لكلماته الأجساد وتطرب القلوب والآذان. ولكن اليوم باتت أبواب هذا المسرح شبه مغلقة بانتظار من يدعمه ورياحينه.

في هذا الصدد، يقول وزير الثقافة محمد مرتضى لـ”لبنان الكبير”: “إنّ كلّ ما يتعلّق بالإرث الثقافي وبتراثنا اللّبناني هو محطّ اهتمامٍ من قِبلنا، وبالطبع فإنّ الزجل اللّبناني من الأمور الأساسيّة الّتي نعمل على تنشيطها والإضاءة عليها أكثر، والأيّام المقبلة ستؤكد ذلك.”

ويضيف: “لم أكن أعرف حبيب وإيلي بو أنطون معرفةً شخصية من قبل، ولكن في الحقيقة إنّ أعمالهما ونشاطاتهما الكثيرة في مجال الزجل اللبناني دفعتني الى الإتصال بهما ودعوتهما إلى الوزارة للتداول في بعض الأمور الّتي تختصّ بالزجل. الفكرة انطلقت من حرصي على تفعيل الزجل اللبناني وتنشيطه ونشره أكثر خاصة لدى عنصر الشباب. وقلت لحبيب وإيلي بو أنطون أنتما من أبناء الزجل ومن يعرف أكثر منكما المشكلات التي يعانيها الزجل وما هي الحلول التي يمكن اقتراحها بغية وضع خطّةٍ شاملة للنهوض بهذا الفنّ اللّبناني الأصيل؟ سنبدأ بتنظيم حفلةٍ زجليّة في قصر الأونيسكو العريق، ونتبعها بعد ذلك بعددٍ من الخطوات الّتي نعلن عنها في وقتها ويكون أثرها في المناطق اللّبنانيّة كافّة وعنوانها الأساسي: استقطاب الشباب للزجل اللبناني”.

وعن الأوضاع الاقتصادية وتأثيرها على الزجل، والمشاريع المقترحة للحفاظ عليه، يقول مرتضى: “أولاً أنا مؤمنٌ كلّ الإيمان بأنّ الانسان اذا سعى الى هدفٍ معيّنٍ ووضع كلّ الجهد في الوصول إليه وتمتّع بالإرادة فإنّه قادرٌ على تخطّي كلّ العوائق والعراقيل. ما من أحدٍ يستطيع أن ينكر دقّة الأوضاع، والضائقة الاقتصاديّة الّتي تمرّ بها البلاد والحصار المفروض علينا، ولكننا في وزارة الثقافة، والحمد لله، قمنا حتى اليوم بنشاطاتٍ عدّة تركت وقعاً وأثراً مميزاً كان آخرها حفل الأوبرا الّذي أقيم في قصر الأونيسكو بمناسبة عيد البشارة، العيد الوطني الجامع، وبما أنّنا نعمل بمحبّةٍ وبنوايا صافية استطعنا أن ننجح هذا العمل وأن نوصل رسالة مفادها: ثقافتنا ثقافة تلاقٍ على كلّ ما يجمعنا ونبذٍ لكلّ أشكال التفرقة والشرذمة. ثانياً، ستكون هنالك أعمال مرتبطة بالزجل اللّبناني في الأيّام المقبلة، ولن توقفنا أيّة عراقيل، وبدل الحفلة ستكون هنالك حفلات، ليس في بيروت فحسب بل في كلّ المناطق اللّبنانيّة وبالتعاون مع مختلف شعراء الزجل في لبنان الشباب منهم وكبار السن – أمراء الزجل اللّبناني – الّذين يستحقّون منّا كلّ التقدير”.

بدوره، يشيد الشاعر حبيب بو أنطون بمبادرة الوزير مرتضى، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “الزجل من التراث اللبناني، لذلك يعمل وزير الثقافة على دعمه واتصل بي طالباً وضع برنامج وجدول يتضمن ما ينقصنا للمساعدة في اعادة احياء جزء من هذا التراث. كما أن الوزير وئام وهاب من أوائل الداعمين لنا وهو يسعى الى إنشاء محطة سنوية للزجل في الجاهلية ومن المقرر أن تكون في تموز أو آب المقبل”.

ويشير الى أن “العديد من الشركات العالمية أقفلت أبوابها بسبب الأزمات الاقتصادية التي تعصف بمجتمعنا والزجل كان له نصيب منها الا أنه لا يزال متواجداً”.

ويضيف: “كان مجد الزجل في السيتينيات والسبعينيات ومن ثم توقف لفترة وعدنا وأحييناه مجدداً من خلال المقابلات التلفزيونية والمحطات التي كانت داعماً أساسياً لنا، ولكن معظمها أصبح شبه خال من البرامج الفنية والثقافية وتحوّل الى محطات اخبارية وسياسية”.

ويتابع: “اليوم البرامج الخاصة بالزجل لم تعد متوافرة ولست من الأشخاص الذين يرجون المحطات لاستقبالي (فاللي بدو ياني بدقلي). سابقاً تعرض الزجل الى تعتيم اعلامي وكما هو معروف أصبحت الشهرة للأمور التي لا طعم لها، فترى الغالبية تركض خلفها على عكس هذه الفترة اذ بدأت المحطات كما برامج السوشيل ميديا تستضيف الشاعر في حلقاتها (صوّرنا ١٤ حلقة على sbi وأصبحت اليوم ضيفاً ثابتاً في برنامج طوني بارود). وعلى الرغم من أنّ المنافسة الحقيقية شبه غائبة الا أننا بهدف الحفاظ على الزجل بتنا نظهر في الاعلام لخلق روح جميلة ومنافسة محضّرة مسبقاً لكنها تُفرح المشاهد.”

ويختم بو أنطون: “لا نزال نقاتل في سبيل هذا التراث الذي له جمهور واسع، ونحيي الحفلات التي تكون كاملة الحضور مثل الحفلة التي أحييناها الأسبوع الفائت في كازينو لبنان. ولكن أحيانا نواجه معوقات مثل تعذر وصول الحضور بسبب قطع الطرقات، أو عدم توافر البنزين… اضافة الى الأجر المتدني. فهذه الأسباب كانت دافعاً لإحياء الحفلات في الخارج في بلاد عدة مثل الأردن ودبي، وفي أيار سوف أحيي ٦ حفلات في الخارج، وفي أيلول لدي أيضاً حفلات عدة في استراليا. وبقائي في لبنان هو إثبات وجود لا أكثر.”

شهد الزجل اللبناني غفوة في بعض حقباته جعله ضائعاً ولا أتباع له من الجيل الجديد، كما أنه لم يعد رائجاً كالسابق وبات تواجده مقتصراً على برامج تلفزيونية بشكل متقطّع أو على مواقع التواصل الاجتماعي التي تنشر تسجيلات قديمة من حفلاته، فهل سيُعاد افتتاح هذا المسرح ويزرع بصيص أمل في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها أم سيختم بالشمع الأحمر وتصبح الوعود المنتظرة “عالوعد يا كمون”؟!

شارك المقال