مرضى لبنان في خطر وأخطبوط الموت يداهمهم!

فدى مكداشي
فدى مكداشي

وكأنّ خبر موت مريضٍ لعدم حصوله على حقه في العلاج بات أمراً عابراً، إذ ربما الموت ظلماً في هذه البلاد بات قدراً. فلم تعد القضية تقتصر على فقدان الأدوية إنما تعدّتها لتصل البنج والمورفين وبات كل من هو بحاجة لعملية جراحية أو بحاجة للمورفين لتجنب الآلام عرضة لشتى أنواع العذابات. إنّها مجزرة جماعية تُرتكب بحق المواطن اللبناني بكلّ ما للكلمة من معنى، فالمرضى من جميع الفئات عاجزون عن تأمين أدويتهم، إمّا لعدم توافرها في الأسواق وإمّا لغلاء أسعارها، وإما بسبب عدم توفر الاعتمادات لاستيراد الأدوية من الخارج. أما المرضى فأجسادهم التي لا يصلها العلاج تموت ببطء. وفي حين يرقى ما يحدث لهم ليكون جريمة ضدّ الإنسانية، تتباهى السلطة بقرارات وإنجازاتٍ عجزت عن توفير حبة دواءٍ واحدة.

في هذا السياق، يوضح نقيب الصيادلة الدكتور جو سلوم، في حديث خاص لموقع “لبنان الكبير”، أن “أزمة عودة انقطاع الدواء لم تنته بعد، فالدواء مفقود وبحاجة الى دعم مادي وهذا الدعم ليس متوفرا، لافتا الى أن هناك بعض الأدوية التي رفع الدعم عنها وهي الأدوية التي لها مثيل لبناني وبالتالي حلّت جزئيا هذه المشكلة، متمنيا أن تذهب هذه الأموال لدعم الامراض السرطانية وزيادة دعم الدواء اللبناني، وموضحا أن مشكلة الأدوية السرطانية لا تزال موجودة ففي حال تم استيراد الادوية السرطانية ستكون أسعارها مضاعفة وليست بمتناول المريض اللبناني”.

وعن اقرار الحكومة اللبنانيّة منذ ثلاثة أيام دفع دعم معيّن لأدوية السرطان والبنج من احتياطيات حقوق السحب الخاصة (SDR) اي الأموال التي منحت من قبل صندوق النقد الدولي، متمنيّا أن “تحل هذه الأموال التي أفرج عنها الأزمة جزئيا لكن بالتأكيد نحن بحاجة الى سياسة صحية وخطة دوائية مستدامة للوصول الى الحل الأمثل”.

من جهته، يرى الخبير المالي والاقتصادي الدكتور بلال علامة أنه “من بعد تبديد دولارات المصرف المركزي على دعم أدوية غير أساسية وبسرعةٍ قياسيةٍ بدلا من ترشيد الإنفاق، ومع استمرار تجاهل خيار دعم صناعة الأدوية محلياً لصالح مستوردي الأدوية والتي يمكن أن تؤمّن لنا 75% من حاجاتنا من الدواء، تمّ رفع الدعم جزئياً وتدريجيا مما أعاد بعض الأدوية إلى رفوف الصيدليات بعد أن كانت حبيسة المستودعات، إلّا أنّ الكثير من الأدوية لا تزال مفقودة وإذا ما توفّرت فبكمياتٍ قليلةٍ وأسعارٍ باهظة أدّت إلى عجز الكثير من المرضى أو معيليهم عن تأمينها مما أدى الى استمرار انقطاع الدواء وغلاء سعره، والصعوبات التي يواجهها المواطن للحصول على علاجه وتداعيات الأزمة على صحته، بالإضافة إلى التجاوزات التي يرتكبها الموزعون وأصحاب بعض الصيدليات التي تحول دون وصول الدواء إلى المستهلك”.

ويلفت الى ان “هذه المشاكل تكمن في عدم التناغم ما بين المصرف المركزي والسلطة السياسية والشركات المستوردة. فالمصرف المركزي يتهم الشركات المستوردة بأنها تقوم باستيراد الأدوية بأسعار مدعومة وتبيعها بعد إخفائها لفترة بأسعار السوق بينما الشركات تتهم المصرف المركزي بعدم فتح الاعتمادات لاستيراد الأدوية وما بينهما سلطة تنادي بدعم الصناعات الدوائية المحلية من دون أن تبادر لطرح أي دعم أو حزمة تحفيزية لمصانع الأدوية المحلية”.

ويضيف ان “كل هذا يحصل في ظل دور مجهول ومشبوه لبعض الصيدليات والصيادلة الذين استغلوا الظرف للمتاجرة بالدواء والعباد على قاعدة ان في بعض الأزمات فرص قد تأتي بأرباح إضافية ولو على حساب المواطن والسلامة الصحية. وبالتالي، لم يعد الدواء للجميع وأصبح الاستشفاء حلماً للمرضى، كما انعدمت القدرة الشرائية للمواطنين، والرواتب لم تعد تستوفي الفواتير المستحقّة أو أبسط أساسيّات الحياة”.

ويشير الى أن “كلفة العلاج من الأمراض البسيطة، باتت تشكّل عبئاً كبيراً في ظلّ أزمة انقطاع عدد كبير من الأدوية وفي ظل عدم قدرة المؤسسات الاستشفائية الضامنة على مجاراة الاسعار المعتمدة من قبل شركات الأدوية والتجار”.

هذا السبب ونظرا لعجز السلطة السياسية عن رسم وفرض سياسات مستدامة لقطاع الدواء والاستفتاء يلجأ المقيمون في لبنان إلى طرق عدّة من أجل توفير الدواء من أبرزها: أقارب عائدون إلى الوطن، التواصل مع شركات الطيران لإرسال صندوق من أدوية الأمراض المزمنة وحملات جمع الدواء بحيث يسافر بعض المغتربين والمقيمين الى الخارج بغية تأمين الأدوية بكميات كبيرة، والتي يتمّ تقديمها إمّا على شكل تبرّعات للمحتاجين أو للصيدليات بسبب قلّة توفرها. كذلك، كثرت في الآونة الأخيرة الحملات عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ لتحفيز المقتدرين على مساعدة المعوزين.

شارك المقال