فاجعة تضرب طرابلس: وتجار البشر والسياسة لا يرحمون!

إسراء ديب
إسراء ديب

قبل حلول الانتخابات النيابية بأيّام، هرب ستون شخصًا بطريقة غير شرعية عبر زورق على متنه لبنانيين وسوريين اختاروا اللجوء إلى طريق الموت، ومن بحر القلمون انطلق هذا الزورق ليغرق بهم قبالة جزيرة الفنار – الرمكين أيّ قبل تجاوزهم المياه الإقليمية اللبنانية سعيًا للوصول إلى الأراضي القبرصية والأوروبية وفق المعطيات، في وقتٍ كانت تستمرّ فيه عمليات البحث عن المفقودين وتولّي عمليات الإنقاذ سريعًا، وسط شحّ واضح في المعلومات الأمنية ولا سيما من الجيش واقتصار بعضها على أخبار أولية تضاربت حينًا، وأصابت حينًا آخر.
ووفق مصدر لـ “لبنان الكبير” (فحتّى الساعة)، تمّ إجلاء 46 ناجيًا مع تسجيل وفاة طفلة (عام ونيّف) كأوّل حالة توفيت بهذه المأساة، ثمّ تلتها أخبار عن ارتفاع عدد الجثث (لا سيما من الأطفال)، الذي لم يُحدّد بعد رسميًا بشكلٍ قاطع، مع استمرار عمليات البحث عن المفقودين الذين كان قد بلغ عددهم 14 شخصًا”.

إنّ هذه الفاجعة دفعت أهالي الركاب مع المئات من المواطنين إلى التجمّع عند مرفأ طرابلس كما مستشفيات المدينة لا سيما مستشفى طرابلس الحكوميّ والمظلوم الذي شهد توترًا كبيرًا وإطلاق نار، ليُعبّروا عن غضبهم من الطبقة السياسية الحاكمة من جهة، وليُطالبوا بإنقاذ أبنائهم والاطمئنان عليهم من جهة ثانية، ولا سيما أنّ هؤلاء الركاب لم يتجه الكثير منهم “فرادى” بل ذهبوا مع عائلاتهم وأطفالهم إلى رحلة مجهولة لم تُكتب لها بداية، بل قدّر لها نهاية مأساوية، دفعت الجيش سريعًا إلى التدخل عبر إرسال مراكبه، زوارقه وطوافاته للبحث، وعملت عناصره على “انتشال جثثٍ من المتوقّع أن يُشكّل عددها صدمة للأهالي الذين تلقوا هذه الأخبار المأساوية، مما أدّى إلى حدوث حالات إغماء لدى البعض منهم”، وفق المصدر.

وفي وقتٍ كانت قد هاجمت فيه بعض العائلات رجال الدين الذين اتهموا بالإهمال والجيش اللبناني، (لا سيما بعد اتهامه من قبل البعض أنّ له “دورا في العملية، من خلال توقيف وصدم الزروق”، وهو كلام لا يزال غير دقيق وغير مؤكّد من قبل قيادة الجيش التي من المتوقّع أن تُصدر بيانًا توضيحيًا لتنفي هذا الكلام)، أكّدت مصادر لـ “لبنان الكبير” أنّ الحادثة جاءت بسبب عدم تحمّل “تجار البشر” لمسؤولياتهم، والذين قيل أنّهم ينتمون إلى عائلة عكارية تعيش في القبة، وأرسلت هؤلاء الأشخاص (من ضمنهم أشخاص من العائلة عينها)، عبر البحر بطريقة غير منظمة ولا تكفل وصولهم إلى المناطق الأوروبية، مما أدّى إلى غرقهم قبل تجاوز المياه الإقليمية، وهي حادثة تحصل للمرّة الأولى، وذلك لأنّ أيّ خطأ أو عطل تقني يظهر عند وصولهم أو قبل وصولهم إلى الجهة التي يرغبون في الوصول إليها.

ووفق معطيات “لبنان الكبير” فإنّ ركاب الزورق معظمهم من اللبنانيين، وتحديدًا من منطقة القبة ومناطق أخرى أيضًا، وأنّ أصولهم من الضنية وعكار، وهي حادثة واجه فيها المنقذون من الجيش، الصليب الأحمر، وجهاز الطوارئ والإغاثة صعوبات وعراقيل جمّة، دفعت الجيش إلى اتخاذ إجراءات صارمة، خاصّة بعد إطلاق أحد الأشخاص النار داخل مرفأ طرابلس غضبًا ممّا حدث، ليتمكّن الجيش من توقيفه وضبط الوضع في العديد من المراكز كالمستشفيات التي شهدت توترًا واضحًا (خاصّة بعد نقل الركاب إليها وهم من آل دندشي، القدور، الجندي، متلج، آغا، والجمل…)، ولا سيما بعد وفاة الطفلة، وبعد الحديث عن وجود جثث أخرى بين المفقودين.

واقع مأساوي وتدخل رسمي

لا يبدو أنّ هؤلاء الركاب الذين لا يُستهان بأعدادهم، يكترثون بالاستحقاق الدستوري المقبل، بقدر ما يكترثون بلقمة عيشهم المسلوبة، وبطموحهم إلى الهجرة للهروب من نار جهنم التي لا يُمكن إخمادها بانتخابات من هنا، وشعارات رنّانة من هناك، في ظلّ غرق المسؤولين في هذه المدينة لأعوام في بيوتهم وقصورهم، ولبسوا بكلّ طاقاتهم وبجدارة “طاقية الإخفاء” وابتعدوا عن الشعب والمناطق الشعبية التي تُعاني الأمرّين من هذه الأزمات التي يعيشون تحت وطأتها، واليوم وعلى بعد أيّام من الانتخابات، فتحوا أبوابهم وقلوبهم للناس، ليُهاجموا عقائد، شخصيات، ويُدافعوا بشكلٍ مفاجئ عن “كرامة” الطرابلسيين التي سحقت بأيديهم بسبب إهمالهم الذي أوصل المواطنين إلى اتخاذ قرار يأخذهم إلى الموت “ويا روح ما بعدك روح”.

وتابع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي هذه القضية، وقد أجرى لهذه الغاية اتصالًا بقيادة الجيش للاطلاع على ملابسات الحادث، طالبًا استنفار الأجهزة المختصة لإنقاذ الركاب، كما أجرى اتصالًا بوزير الأشغال العامّة والنقل علي حمية لاستنفار جميع المعنيين في مرفأ طرابلس للمساهمة في عملية الإغاثة.

من جهته، تابع الوزير حمية مع قيادة الجيش هذا الملف، معطيًا توجيهاته إلى المعنيين في المرفأ بضرورة وضع كلّ ما يلزم لكافة الفرق المشاركة في عمليات الإنقاذ، وكذلك وضع الإمكانات والتسهيلات كافة في المرفأ لأجل ذلك، لافتًا إلى ضرورة “إنقاذ الأرواح في هذا الحادث الأليم، هو الأمر الذي يستلزم استنفار كلّ الأجهزة المعنية بعمليات الإنقاذ”.

أمّا مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر، فأكّد أنّ القوات البحرية في الجيش ومراكب مدنية تابعة للبحارة قد توجهت باتجاه جزيرة الفنار – الرمكين بعد ورود معلومات عن غرق مركب على متنه حوالي 60 شخصًا، مؤكّدًا اتصاله بوزير الأشغال والنقل الذي اتصل بقائد الجيش للتنسيق والمساعدة على إنقاذ الناجين…

شارك المقال