الفطر ينعش أسواق طرابلس … وأموال المغتربين تخفف “النق”

إسراء ديب
إسراء ديب

يعكس إقبال الطرابلسيين على الأسواق في أواخر أيّام شهر رمضان وقبل حلول عيد الفطر، مدى رغبتهم في عودة الحياة التي اعتادوا عليها في مثل هذا الوقت من كلّ عام، بعيداً عن إجراءات كورونا وربما لنسيان كآبة انهيار العملة الوطنية وغلاء المعيشة.

في مشهدٍ ليس بغريب عن حياة المدينة في فترة الأعياد، يتزاحم الأهالي لشراء الكثير من الاحتياجات كالملابس والأحذية أو الأطعمة المخصّصة لمناسبة الأعياد، ويشكو معظم رواد الأسواق لا سيما الشعبية منها التي تشهد إقبالاً لافتاً، من ارتفاع الأسعار مقارنة مع أسعار العام الماضي. أمّا شارع عزمي الشهير، فالإقبال كبير أيضاً وهو ما يعكس رغبة الناس في عيش أجواء العيد، رغم الضغوط التي يعيشونها.

حركة مع بركة

تعتاد (منى ج.) كلّ عام على شراء الألبسة لابنتها سارة من سوق البازركان، وتقول: “مهما بلغت الأوضاع الاقتصادية والمالية من صعوبة لن أتخلّى عن حقّ ابنتي في اقتناء ملابس جديدة بخاصّة في موسم الأعياد، مع العلم أنّني أكتفي بطقم ملابس واحد للعيد، ولا أعاود شراء طقم آخر في عيد الأضحى مثلًا”.

تتجوّل منى في السوق بحثاً عن التخفيضات وسعياً وراء “لقطة” لابنتها ولكن بسعرٍ مقبول.

في جولة لنا على عددٍ من الأسواق في طرابلس، يبدو أن المدينة تشهد إقبالًا شديدًا أكثر من العام الماضي، والزبائن ليسوا من طرابلس فحسب، فهناك زبائن من عكار، المنية ـــ الضنية، الميناء، زغرتا، ومن جبيل أيضًا. وهو مشهد حرمت منه المدينة العام الماضي، فعلى الرّغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتراجع الإمكانيات المادية للعائلات، إلا أن الحل كان بتغيير أساليب الشراء، وبدا واضحاً توق الناس للعودة إلى الحياة الطبيعية ولو بالقليل.

بين التاجر والبائع

يوضح جابر وهو صاحب أحد محلّات الأحذية في السوق العريض، أن “حركة السوق هذا العام أفضل بكثير من العام الماضي، والإقبال موجود من الجميع وعلى اختلاف الطبقات الاجتماعية في الشمال عامّة، ولكن أكبر معاناتنا تأتي من التجار الذين يقومون باحتساب الأسعار بحسب سعر صرف الدولار وبحسب مزاجهم، فقد ينخفض سعر الصرف في الأسواق ولكن التاجر لا يُخفض من الأسعار، ما ينعكس أحيانًا على ردود الفعل الشعبية”.

ويشير إلى أن “الطبقات المتوسطة والفقيرة هي أكثر من يشتري من هذه الأسواق”، مؤكّدًا أن 60″ بالمائة من الزبائن يُقبلون على الشراء من السوق، وهو ما يعدّ تقدّمًا كبيرًا مقارنة بالعالم الماضي”.

ثياب الأطفال الأعلى ثمناً

من المعروف، أن ثياب الأطفال غالبًا ما تكون هي الأغلى ثمنًا بين الألبسة عمومًا، لهذا السبب يجد البعض صعوبة في إيجاد محلات أو بضاعة مناسبة، من هنا، تقول هناء وهي صاحبة محل في سوق الكندرجية: “الأسعار لدينا تتراوح بين الـ 80 ألفاً والـ 150 ألف ليرة لبنانية كحد أقصى، وهذه الأسعار انقرضت في محلّات وأسواق أخرى، ولكنّنا مستمرّون في خفض الأسعار قدر الإمكان نظرًا لمعرفتنا بالحالة المالية التي تُواجهها البلاد، ولكن نتمنّى ألّا نكون كبش محرقة كالمعتاد”.

أمّا راما وهي صاحبة محل ألبسة نسائية في سوق الكندرجية أيضًا، فترى أن الإقبال يبقى غير مقبول ولكنّه مختلف عن العام الماضي الذي كان “للأسف من أسوأ الأعوام التي شهدناها، ولكن يبقى تأثير الارتفاع الجنوني للأسعار مؤخرًا الذي ينعكس بدوره على أرباحنا التي باتت معدومة، فالناس تشتري أو تُلقي نظرة فحسب، وحين تشتري تُفاوض كثيرًا لخفض الأسعار قدر الإمكان، وأنا لست ضدّهم ولكنّني أشعر بخيبة أمل كبيرة من الأزمة التي كنّا بالغنى عنها ولا ذنب لنا فيها جميعًا”.

استراتيجية النق غير صحيحة

بدوره، يُعلّق أحمد وهو صاحب محل للألبسة الرجالية في السوق على كلام بعض البائعين الذي يراه أنّه سلبيّ جدًا، ويقول: “اعتاد الكثير من التجار أو البائعين على استراتيجية “النق”، وهي استراتيجية غير صحيحة عمومًا، فهذه السنة كان الإقبال على الأسواق كبيرًا جدًا، وكان أفضل ممّا كنّا نتوقّعه، فالفقر موجود ولكن غالبًا ما تكون طرابلس هي السند في مثل هذه الظروف. ولكن إلى متى؟ لا نعرف ولكن الأسعار هنا مقبولة، والزبائن تُقبل على الشراء”، مضيفًا: “لا ننسى أن الكثير من الزبائن يعوّلون في عملية الشراء على أموال وتحويلات المغتربين، لهذا السبب لن يتحمّلوا همومًا كالفقير الذي يُريد إطعام أولاده وإكسائهم بملابس جديدة لبث الفرحة في قلوبهم في الأعياد وهو عاجز، وعلى الرّغم من عجزه، نجده مقبلًا على الحياة أكثر ويسعى لتأمين ولو شو ما كان لإسعاد أولاده، وهذه قمّة التضحية”.

بدورها، تلفت سارة وهي تعمل في محل في شارع عزمي، إلى أن الإقبال هذا العام مقبول لاسيما حين تتمّ مقارنته بالعام الماضي، وتقول: “الناس تشتري على الرّغم من ارتفاع الأسعار، ومن لا يتمكّن يكتفي بإلقاء نظرة على البضاعة فحسب، فهناك أناس غير مستعدين لدفع ثمن الثياب أو الأحذية الباهظة”، مؤكّدة أن “ما يساعد الناس على الشراء هو أموال المغتربين الذي يُرسلون أموالهم بالدولار، ما يُسهم في مساعدتهم على تخطي صعوبات أكثر في عملية الشراء، ومن ليس لديه مغترب خارج لبنان، يقع ضحية أزمة طاحنة ويشعر بكلّ انعكاساتها الكارثية”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً