حلول مستدامة للنفايات مستعصية… ماذا عن الحوكمة؟

ليال نصر
ليال نصر

يعاني اللبنانيون كما في كل عام، مع بدء موسم السياحة، من انبعاثات روائح النفايات المنتشرة في عدد من المناطق، في ضوء أسباب عدة تحول دون حل هذه المعضلة، خصوصاً أن وزير البيئة والخبراء البيئيين يجمعون على أن المشكلة ليست بيئية فقط.

موضوع النفايات مرتبط بجوانب عدة، كما يقول وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين لموقع “لبنان الكبير”، ويولي الجانب المالي أهميته “لأن قيمة العقود انخفضت بسبب دفعها باللولار أو بالليرة اللبنانية مع معادلة جديدة تأخذ في الاعتبار كلفة التضخم، من خلال الطريقة التي عملت عليها وزارة البيئة مع مجلس الإنماء والإعمار ومع البلدية واللجنة التي درست تداعيات الأزمة على المرافق العامة. ولكن لا يزال الدفع إما باللولار حسب العقود القديمة أي شيك مصرفي، أو على المعادلة الجديدة باللبناني لكنها أخذت في الاعتبار هذا التضخم”.

وفيما تقول الشركات إن عليها أعباء كثيرة، إلا أن الوزارة مستمرة معها لتطبيق هذه العقود، كما يوضح ياسين، مشيراً الى أن “جزءاً من المشكلة حصل لأن هذه الشركات لا تستطيع في بعض الأحيان تأمين عمال ولا قدرة لديها على تشغيل كل الأجهزة، فتصبح وتيرة العمل أقل”.

أما في الشق الفني الذي يرتبط بانفجار المرفأ، فقد تركت معامل الفرز في الكرنتينا، والتسليم في برج حمود بعد الانفجار الذي كان مدمراً وحجم الضرر فيه كبير جداً. ويكشف ياسين أنه عمل منذ بداية توليه الوزارة على هذا الموضوع واستطاع بعد مفاوضات طويلة تأمين منحة أو مساعدة وليس قرضاً من البنك الدولي بقيمة عشرة ملايين دولار ستطبق مباشرة من الأمم المتحدة لاصلاح هذا المبنى وسيبدأ العمل في بداية الصيف، وهذا سيخفف كثيراً من النفايات التي تذهب الى المطار وتعبئتها بسرعة .

ويرتبط الشق الثالث بحوكمة هذا القطاع الذي وصفه وزير البيئة بـ”المشتت”، لافتاً الى أن “أجزاء منه موجودة مع مجلس الإنماء والإعمار خارج بيروت، ومع وزارة التنمية الإدارية واتحادات البلديات والبلديات ومع وزارة الداخلية، وهناك بعض المراكز التي يديرونها وبلدية بيروت لديها عقد مباشر”. ويوضح أن “هذا التشتت تمت مقاربته من ناحية حوكمة هذا القطاع وادارته لتصبح هناك مراسيم تنظم القانون ٨٠/٢٠١٨، فإذا نظم تصبح هناك هيئة وطنية لإدارة المخلفات الصلبة”. وعمل الوزير على المراسيم التطبيقية وكل قراراتها التنظيمية الموجودة والتي ستصدر عن مجلس شورى الدولة والخدمة المدنية في أقرب فرصة لتنظيم هذا الموضوع، ثم في الحكومة العتيدة يعيّن هؤلاء كمجلس إدارة لهذه الهيئة.

ويضيف ياسين: “اذاً هناك شقان مالي وفني أي معامل إما متضررة أو مدمرة أو متوقفة عن العمل، وشق اداري يقارب عبر تطبيق القانون من خلال المراسيم التنظيمية. وكون وزارة البيئة هي الوصاية وليست الإدارة بصورة مباشرة لهذه المعامل، إنما هذا من عمل البلديات، فهذا يأخذنا إلى الاقتراح الذي وضعته وزارة البيئة ووافق عليه مجلس الوزراء كتوجه استراتيجي يحتاج الى التطبيق وهو أن تصبح هناك لامركزية لعمل هذا القطاع، بمعنى كل اتحاد بلديات وتجمع بلديات كما يقول القانون، يجب أن يدير منظومات النفايات الصلبة لديه في المناطق. وهذا وضعناه كبند في مشروع الموازنة الموجود في مجلس النواب بإيجاز أن يأخذوا الرسوم مباشرة لتغطية هذه الكلفة وعدم التوجه كل مرة الى الصندوق البلدي المستقل والحكومة المركزية، وبهذه الطريقة نكون قد مشينا فعلاً في طريق اللامركزية الحقيقية في قطاع البيئة وخاصة قطاع النفايات”.

ويؤكد أن “هناك شقاً آخر تشجع عليه وزارة البيئة وسيحصل أيضاً مع البلديات وجمعيات وقطاع خاص ناشئ وهو الفرز وأهمية الفرز من المصدر على اعتبار أن هذه النفايات موارد يجب معرفة كيفية استخدامها وتصنيعها، وهذا أيضاً شق له علاقة بتغيير سلوكي ووعي وتأمين مراكز لتجميع هذه المفروزات التي تشجع عليها وزارة البيئة وتضغط لتكون موجودة في كل المناطق والأحياء”.

مشهد النفايات درامي

مشكلة النفايات اليوم ليست بيئية بقدر ما هي مالية، بحسب ما يرى الخبير البيئي حبيب معلوف، “فالعقود للكنس والجمع والمعالجة كانت بالدولار والدولة كانت ولا تزال تحاسب على سعر ١٥٠٠ ثم عدّلت السعر قليلاً. ولكن الاستمرار في ارتفاع الدولار جعل الأمر أصعب، مع أنه لم تعد هناك معالجة وفرز وطمر صحي”، معتبراً أن “لدينا الآن إدارة سيئة جداً بأرخص الأثمان وتعثر دائم”.

تحولت المطامر إلى مكبات عشوائية يرمى فيها كل شيء وأي شيء، ومن ينبشون فيها يحتلون المشهد لأن المواد القابلة لإعادة التدوير ارتفع ثمنها بالدولار، كما يؤكد معلوف، متوقعاً “أن ننتقل من الآن وصاعداً إلى مشاهد أكثر درامية مع فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، إذ ستتعثر عمليات الرمي والجمع أكثر وتتخمر النفايات في الشوارع والحاويات أكثر مع زيادة الروائح والتلوث وزيادة النبش في المكبات والحاويات، اضافة الى ازدياد إمكانات حرق هذه النفايات أينما كان للتخفيف من حجمها وزيادة التلوث القاتل. فإما تركها تتخمر وتنتج غاز الميتان السام وإما حرقها وإنتاج الديوكسين المسرطن”. ويصف المشهد في هذا الصيف بـ “الدرامي”.

أسباب تجدد مشهد النفايات

وتعزو الخبيرة البيئية سمر خليل مشكلة النفايات منذ العام ١٩٩٧، إلى “خطط الطوارئ التي يستمرون في تمديدها لتحصل مشكلة ثم يقومون بوضع خطة جديدة. كما أنه في العام ٢٠١٥ أي عندما أقفل مطمر الناعمة، بدأت مشكلة نفايات كبيرة جداً لأنه ليست هناك خطة مستدامة، ثم أنشأوا المطامر البحرية في الكوستابرافا والجديدة وبدأت تمتلئ، وهذه أزمة أخرى في ظل عدم وجود حلول مستدامة ولا نزال نفكر في ما إذا كان الحل بالحرق أو الطمر”.

إن مشهد تراكم النفايات خصوصاً في الضاحية وبيروت وجبل لبنان، سببه العقود على المستوى المركزي وليس على مستوى البلديات، وأبرمها مجلس الإنماء والإعمار وبالدولار، فعندما هبطت العملة لم يعد باستطاعة الدولة أن تدفع للمتعهدين مستحقاتهم بالدولار، بحسب ما تشير خليل، مؤكدة من جهة أخرى أن “الخبراء البيئيين يرفضون المحارق لأنها غير مناسبة لواقعنا ونوعية نفاياتنا التي هي في أكثر من ٥٣% منها عضوية وفيها نسبة رطوبة أكثر من ٦٠%. وسوء إدارة النفايات يمكن أن تنتج منه مواد مسرطنة كالديوكسين والميتان والمعادن الثقيلة ولا طريقة للتخلص من الرماد الخطر الذي يصدر منها. كما أن هناك تحديات كبيرة لأن لا قوانين تطبيقية وإنشاء المحارق وتشغيلها أغلى كلفة من التقنيات الأخرى”.

كيفية ادارة النفايات بصورة صحيحة

إدارة النفايات موضوع متكامل يبدأ من كيفية تخفيف إنتاج النفايات والمواد التي نستطيع اعادة استعمالها من خلال اصلاحها أو تدويرها أو ردّها إلى الطبيعة إذا كانت مواد عضوية لتصل إلى المطمر كميات قليلة جداً من النفايات.

وعلينا الانتقال من فكرة أن النفايات شيء يجب رميه، إلى فكرة أن علينا استردادها والافادة منها إقتصادياً، فهناك ما يسمى اليوم بالاقتصاد الدائري المبني على أسس ثلاثة: أولها التفكير في إنتاج لا تصدر منه نفايات، وثانيها الحفاظ على المنتج وقتاً أطول مثلاً إذا تعطلت الغسالة أحاول اصلاح القطعة المعطلة أو أرسالها إلى الشركة لتصنع منها غسالة جديدة، وثالثها أن أستخدم الموارد فأعيد استعمال الموارد العضوية عبر تسبيخها لنستطيع إنتاج الطعام، فبحسب “الفاو” لا يزال لدينا فقط ستون حصاداً لأن التربة تخسر موادها العضوية واسترجاع هذه المواد لديه منافع كثيرة في حل أزمة تغير المناخ.

دور البلديات والجمعيات البيئية

يشير رئيس اتحاد بلديات الشوف السويجاني يحيى ابو كرّوم الى أن “النفايات في منطقة الشوف عموماً تُرحّل إلى شركة سيتي بلو ومنها إلى الكوستابرافا فيما منطقتا السويجاني والشوف الأعلى لديهما معامل خاصة. لكن العبء كبير جداً بسبب الكلفة العالية المترتبة جراء أسعار المازوت والمحروقات وكلفة صيانة الآليات واليد العاملة ما ينذر بخطر، إذا لم تعط البلديات حقوقها ولم تدعم من الدولة خاصة بأسعار المحروقات فستقع جميع البلديات في مشكلة كبيرة جداً”.

أما الجمعيات البيئية، فتعمل أكثر من الدولة لكنها لا تستطيع القيام بعمل الدولة، كما تقول خليل، داعية الدولة الى “أن تجهز بنى تحتية كافية لتؤمن جمع النفايات وفرزها ومعالجتها وبناء مصانع لتسبيخ المواد العضوية ومطامر للتخلص نهائياً من المواد التي لا يعاد تدويرها أو تسبيخها، فالجمعيات والبلديات يجب أن يكون دورها الضغط على الدولة لإنجاز استراتيجية متكاملة لإدارة النفايات الصلبة وتأمين البنى التحتية اللازمة والتوعية”.

في المحصلة، إن المصادر المستدامة للتمويل والتوعية والتربية في المدارس كلها وسائل تعلمنا كيفية تخفيف إستهلاك النفايات، ولكن هل سيأتي اليوم الذي نرى فيه سياسات قابلة للتنفيذ في لبنان لحل هذه المعضلة؟

شارك المقال