“الفطر الطرابلسي”… حركة وتقاليد وكورونا غير موجودة

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تغب أجواء عيد الفطر عن مدينة طرابلس، التي احتفلت به بكلّ قدرات وإمكانيات أهلها في الداخل والخارج، على الرّغم من الأزمات الاقتصادية وتراجع القدرة الشرائية.

ولم تتبدّل الطقوس المعتادة في عيد الفطر “الطرابلسي” ولم تتأثر بالظروف الصعبة التي تشتدّ وتقسو على كلّ اللبنانيين، بل على العكس، يُظهر أهالي طرابلس عامًا بعد عام تمسّكهم بكلّ العادات المختلفة ولو بالقليل… وقد يتناسى كثيرون منهم هذه الظروف في هذه الأيّام عاجزاً عن تجاوزها ولكنّ تخفيفاً من حدّة انعكاساتها السلبية.

ومنذ مساء يوم الأربعاء، بدأ أهالي المدينة بالتحضير للأجواء الاحتفالية المعروفة، بدءًا من تحضير ورق العنب (وهي الوجبة المعتادة في العيد) وإعداد المعمول بنكهاته (التمر، الجوز، والفستق، مع العلم أن الكثير من العائلات كانت قد اكتفت بإعداد معمول التمر فحسب وذلك نظرًا لارتفاع أثمان الجوز والفستق بشكلٍ كبير، في ظلّ وجود عائلات أخرى لم تتمكّن من إعداد المعمول لسوء أوضاعها) وشراء الشوكولا ومستلزمات الضيافة (كالمكسرات وغيرها وثمنها مرتفع جدًا ويختلف بحسب أنواعها) وشراء الآس وهو نبتة خضراء يشتريها الناس قبل زيارة القبور، وهذه عادة قديمة لا تزال رائجة ومفضلة عند الكثير من الطرابلسيين. إذ يقوم الكثير من الشماليين بزيارة القبور بدءًا من ليلة العيد ووضع الآس عليها كما غيرها من النباتات، ولكن الآس غالباً ما يكون الأكثر رواجاً بينها ويتراوح سعره بين الـ 5 آلاف والـ 7 آلاف ليرة بحسب الحجم المختار. فضلًا عن شراء الكعك في اليوم الأوّل من العيد، وفيما بعد تبدأ زيارة الأقارب كما زيارة مراكز الألعاب أو الملاهي في الميناء لنشر فرحة وبهجة العيد بين الأطفال.

في الواقع، يختلف العيد هذا العام عن الأعوام السابقة، فقد كان يخشى الكثير من أهالي المدينة عدم قدرتهم على تأمين مستلزماته المتنوّعة من مأكولات، وملابس وغيرها… ولكن كان للمغتربين دور كبير هذا العام في تغيير هذه الفكرة المتشائمة، والتي كانت سائدة في فترة من الفترات قسرًا بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، فمن كان عاجزًا عن شراء ملابس لأولاده، تمكّن بفضل الكثير من المساعدات من تحقيق هذه الغاية.

كورونا غائبة والعيد حاضر

ومع التدابير الوقائية التي فرضت خلال 3 أيّام العيد مع قرار حظر التجوّل، لم تشهد المدينة كما العديد من المناطق الشمالية التزامًا بأيّ إجراءات احترازية لمنع انتشار وباء كورونا، فلم يخش أي منهم من انتقال العدوى كما لم يفكر الكثير منهم بكورونا أو بقرارات الدولة الرسمية، ليتنقل هؤلاء بين مناطق ومدن وقرى الشمال بكلّ حرية من دون قيود تذكر، فكان العيد المتنفس الوحيد لهم لزيارة مختلف المناطق والأقارب.

ويقول سمير ش. لـ “لبنان الكبير” وهو من منطقة باب التبانة: “عمومًا القوى الأمنية لا تفرض علينا في هذه الفترة قيودًا كبيرة، ولكن على كلّ إنسان أن يحذر من العدوى كيّ لا نصل إلى مرحلة صعبة وبائياً، ولكن الحياة باتت صعبة للغاية ويأتي هذا العيد محمّلًا بالكثير من الهموم التي نتمكّن من تجاوزها هذه الفترة”.

أزمة المحروقات غصّة في وجه الفرحة

وتأتي أزمة البنزين لتكون الهمّ الأكبر بين المواطنين فضلًا عن أزمات أخرى تشهدها البلاد وتنتقص من حقوق الناس، وفي زمن الأعياد أقفلت الكثير من محطات البنزين أبوابها أمام حاجة الناس الملحة في تعبئة هذه المادة التي باتت كنزًا ثمينًا نعجز عن تأمينه.

ويُبدي الكثير منهم خوفهم من هذه الأزمة واستياءهم منها، معتبرين أنّها تقف لتُعرقل أجواء الأعياد بشكلٍ عام، ويقول أبو أحمد (52 عامًا) من المنية: “تعبئة البنزين تستغرق ساعات وقد ننتظر أكثر من 5 ساعات لتعبئته، وهذه أزمة لا تُشير إلى انتهائها قريبًا، وهي مضيعة للوقت لا سيما في زمن الأعياد، فأنا أضطر لتعبئة البنزين من المحطات الموجودة في طرابلس نظرًا لكوني سائق تاكسي في المدينة وأنتقل بين المنية وطرابلس، ولكن انتظارنا كلّ هذا الوقت معيب جدًا”.

ويستغل كثيرون أزمة المحروقات ليفتحوا باب الفساد على مصراعيه، فلا يكفي المواطن الهموم المثقلة على عاتقه بسبب تقنين هذه المادّة، ليأتي البعض ليُحوّل هذا الملف إلى ورقة استغلالية، إذ يقوم البعض بتعبئة البنزين في غالونات المياه وبيعها وكلّ شخص يقوم بتوزيعها بسعر مختلف، فقد وصل سعر الغالون عند البعض لـ 50 ألف ليرة، بينما يقوم آخرون ببيعه بـ 35 ألف ليرة، أي أن هذا الملف دخل مزايدات السوق السوداء، وأصبح لعبة بيد البعض.

في المقابل، لم ترحم مؤسسة كهرباء لبنان المواطنين في هذه الفترة، فقد عاد شبح التقنين الكهربائي القاسي ليُخيّم على بعض المناطق، إذ باتت لا تتجاوز الساعتين أو الأربع ساعات كحدّ أقصى.

” ما بعد العيد”…الخوف الأكبر

يخشى أبناء طرابلس من مرحلة “ما بعد العيد”، فبعد مرحلة شهدت فيها الأسواق الطرابلسية الكثير من الحركة التي لم نشهدها في السنوات الماضية، يعيش الكثير من أهالي المدينة في أزمة قلق ممّا سيكون آتياً، وتقول “زينب ز.” وهي من المنية وتقيم في أستراليا وكانت قد اشتركت في عملية المساعدات المقدّمة: “كان العيد هذا العام مفعمًا بالكثير من المساعدات والتبرعات من دول مختلفة، إذ كان المغتربون في عون أهالي المدينة في هذه الفترة الصعبة، فكانت البركة سائدة في فترة رمضان والأعياد، ولكن ما بعد العيد مرحلة مختلفة، ففي الفترة السابقة كانت المساعدات المالية قائمة بسبب المناسبات الدينية ولكن فيما بعد، لا بدّ من التحضير لما هو آت وهو أسوأ بسبب سوء إدارة البلاد”.

وأخيرًا، لا تعطي الدّولة بكلّ مقوّماتها وركائزها فرصة لأيّ مواطن ليعيش بسلام وأمن أو على الأقلّ بكرامة، فلو تخلّص اللبنانيون من أي أزمة، تجتاحهم مشاكل وأزمات كثيرة، والطامة الكبرى أن اللبنانيين لا يتخلّصون من أزماتهم، فمشاكلهم ملتصقة بهويتهم منذ سنوات، وهي تزداد مع مرور الأعوام دون حسيب أو رقيب، كما لا تستحي القوى الرسمية من افتعالها الكثير من الويلات بحقّ الإنسان اللبناني العاجز، بل تعتبر أنّها تقوم بإصلاح الثغرات وهي في الحقيقة تقوم بإغراق المواطن والوطن إلى أسفل السافلين دون أدنى حس بالمسؤولية، ومن المعيب حقًا أن يعيش أهالي مدينة كاملة كطرابلس على مساعدات المغتربين، بدلًا من قيام الدولة بواجباتها المفروضة عليها، وهي حقّ للمواطن، لا منة من أحد منهم عليه.

كلمات البحث
شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً