تراجع القدرة الشرائية ٩٥%… كيف يؤمن المواطن دواءه وغذاءه؟

ليال نصر
ليال نصر

يجمع أخصائيو علم الاجتماع والمحللون السياسيون في لبنان على أن معظم المواطنين اللبنانيين باتوا عاجزين عن تأمين دوائهم وبالكاد يؤمنون قوت يومهم بسبب تراجع القدرة الشرائية نحو خمسة وتسعين بالمئة، ما يدخلنا في إشكالية الفقر واللامساواة بين اللبنانيين إجتماعياً. فكيف ينعكس هذا التراجع على المستويات الإجتماعية؟

إن النظام السياسي الإقتصادي في لبنان، يخلق هيكلياً عدم المساواة، وإذا دققنا في الأرقام، نجد وبحسب الدراسات، أن في العام ٢٠١٩، نصف اليد العاملة تقريباً، لم يعد لديها ضمان اجتماعي، ما يعني أنها حرمت من الحق الاجتماعي الأساس الذي يفترض أن تؤمنه لها أي دولة رعاية اجتماعية.

وقالت المديرة المشاركة في “مركز العلوم الاجتماعية للأبحاث التطبيقية” ماري نويل أبي ياغي لموقع “لبنان الكبير”: “إن الإسكوا أصدرت مؤخراً أرقاماً عن الفقر في لبنان أوضحت أن ما يتجاوز الثمانين بالمئة من الأشخاص في لبنان يعتبرون فقراء، مع تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع القدرة الشرائية، ما يعني على الصعيد الاجتماعي، في ظل سياقٍ لا يؤمن هيكلياً الحقوق الأساسية الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، الحرمان من الحق بالضمان الاجتماعي والطبابة، الأمر الذي يجعل الناس لا تستطيع الذهاب الى الطبيب أو الدخول الى المستشفيات أو دفع ثمن فحوص أو أدوية إن توافرت، وهذا أسوأ الجوانب الاجتماعية التي نتلمسها”.

أضافت أبي ياغي: “إذا نظرنا إلى تحركات جزء من المرضى ولا سيما أصحاب الأمراض المزمنة مع انقطاع الأدوية، نرى الأثر السلبي المميت للأزمة. من هذه المقاربة فإن النظام الاجتماعي الاقتصادي في البلد وعدم قدرته على حماية المواطنين يعرضهم لأكثر من الهشاشة والموت”.

أما وأن التأثيرين الاجتماعي والاقتصادي مرتبطان بشكل وثيق، فأكد الخبير الاقتصادي أنيس أبو ذياب لموقع “لبنان الكبير”، أن “تراجع القدرة الشرائية للعملة الوطنية ٩٥٪ سببه الأزمة التي بدأت بشكل كبير منذ تشرين الأول ٢٠١٩، لكنها كانت قبل هذا الوقت أي منذ أن أصبح ميزان المدفوعات في حالة عجز منذ العام ٢٠١١ واستمر على هذه الحال حتى اليوم”.

وأشار الى أن “المشكلة الأساسية في تراجع القدرة الشرائية هي في تراجع المداخيل الناتج من انهيار سعر صرف العملة الوطنية التي فقدت قيمتها ودخلنا في تضخم شديد نسبته ٢٠ إلى ٣٠٪ منذ العام ٢٠١٩”، موضحاً “أننا اليوم في حالة تضخم أكثر من ١٠٠٠ بالمئة، لكن هذا التضخم يتفاوت في أسعار السلع، فحتى أيلول من العام ٢٠٢١ كانت بعض السلع مدعومة منها النفط ومشتقاته وكهرباء الدولة والاتصالات وبعض الأدوية حتى الآن ما زالت مدعومة حتى نهاية هذا الشهر، وبالتالي عند تحرير الأسعار ستنخفض القدرة الشرائية أكثر والتضخم سيزيد أكثر”.

أضاف: “المشكلة اذاً في القدرة الشرائية أنها ناتجة من تراجع المداخيل، وبالتالي أزمتنا أي الفقر الحالي ليست قدراً بل نتاج القدرة الشرائية للناس الناتجة من مداخيلها، وتحسين الدورة الاقتصادية في أي مجتمع يؤدي إلى زيادة المداخيل وبالتالي إلى زيادة القدرة الشرائية للناس وتحسين معيشتها على المستويات كافة ما ينعكس على الوضع الاجتماعي والتغطية الصحية، وبالتالي يتحسن حتى نوع التغذية وتتراجع حدة الأمراض، لذلك نرى أن في المجتمعات الفقيرة نسبة الأمراض أكثر وبالتالي تصاب المستشفيات بالعجز وتعلو كلفة الطبابة”.

إذاً، وبحسب أبو ذياب، فإن تراجع القدرة الشرائية لا يؤثر على استهلاك السلع وحسب، بل على الوضع الاجتماعي أيضاً بسبب سوء التغذية الذي يقود إلى المساوئ الاجتماعية كافة.

تجدر الإشارة إلى أن الحد الأدنى للأجور الذي كان يوازي أربعمائة دولار بات اليوم لا يتجاوز الستين إلى السبعين دولاراً، وبالتالي هذا يرتبط بالأزمة المعيشية النقدية وغياب العملة الأجنبية ومحاولة تجفيف السيولة بالعملة المحلية لكي نحافظ على استقرار سعر الصرف.

كيف نعالج المشكلة؟

المعالجة تكون في تحسين الأجور، ولكن هذا لا يمكن أن يتم باقتصاد منهار لأن أي تحسين للأجور ضد صالح الاقتصاد يؤدي إلى زيادة الانهيار، وإذا لم يكن الاقتصاد يعمل بشكل سليم ويقوم بدورته الإنتاجية السليمة، فلا يمكن أن يؤمن ذلك قيماً مضافة للمجتمع وبالتالي زيادة الرواتب.

إن سوء الادارة وغياب الدولة في ظل اقتصاد ٤٠٪ منه يعمل خارج الأطر النظامية ولا يدفع ضريبة أو مسجل في الضمان والقطاع العام انتاجيته معدومة، يقتضي للخروج من هذه الأزمة، إعادة العمل داخل المؤسسات بشكل سليم بعيداً من المحاصصة خاصة في الوزارات، والإصلاحات لا سيما في ما يطلبه صندوق النقد الدولي وتوقيع العقد بشكل نهائي للبدء ببرنامج مع لبنان لمدة ٤ سنوات بقيمة ٣ مليارات دولار، وهذا مفتاح نحو المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي الذي يؤمن لنا شبكة الحماية الاجتماعية لأن صندوق النقد يرفض التوقيع على برنامج اذا لم يكن جزء أساسي منه مخصصاً لخطة التعافي الاقتصادية لشبكة الحماية الاجتماعية، لأن أي مجتمع يدرك صندوق النقد الدولي أن نسبة الفقر فيه تتجاوز ٨٠٪ كما هي الحال في لبنان، يعني أنه لا يستطيع أن يؤمن مستلزمات استمرارية هذا العقد مع صندوق النقد وطبعاً استدامة الدين، لذلك يطلب الصندوق أن تكون هناك شبكة حماية اجتماعية تخفف الضغط الاجتماعي والفقر لتحسن القدرة الاستهلاكية للمجتمع بحيث يستطيع تلبية الحاجيات المستقبلية لصندوق النقد.

وشدد أبو ذياب على أنه “إذا التزمنا في لبنان بمجموع قضايا أساسية إصلاحية تبدأ بالكهرباء وتطبيق القوانين المرعية الإجراء من قانون الشراء العام ومكافحة الفساد وإقرار قانون جديد للسرية المصرفية وإقرار قانون الكابيتال كونترول وإقرار قانون موازنة العام ٢٠٢٢، فهذا كفيل باستعادة الثقة التي تؤدي تلقائياً الى استعادة الثقة بالعملة الوطنية وهذا مهم لأن ٨٠٪ من فاتورتنا الغذائية مستوردة من الخارج، وبالتالي فإن تحسن القدرة الشرائية الناتج من تحسن سعر الصرف يؤدي إلى تحسن القدرة الاستهلاكية للمواطن اللبناني”.

شارك المقال