الصحة النفسية منسية… والمساعدات في لبنان صفر

تالا الحريري

تعتبر الصحة العمود الفقري لحياة الانسان، فعند تدهور صحته الجسدية أو النفسية أو العقلية يصبح كروح هائمة تعيش داخل جسد خاو. الصحة بأنواعها المختلفة تؤثر على بعضها البعض، وعندما يصاب الجسد بمرض مزمن أو مستعص فإنّ الصحة النفسية تتأثر بشكل تلقائي وكذلك العكس. لكن تدهور الصحة النفسية قد يكون الأصعب، بحيث يصبح الانسان في أحيان كثيرة مستعداً للتضحية بنفسه وبالآخرين كذلك وقد يصل إلى حد الجنون، أو الانتحار. وعلى الرغم من أنّ موضوع الصحة النفسية حسّاس جدّاً، إلّا أنّ التعامل معه متدن جدّاً. فقلة في مجتمعاتنا من نراها تراعي الصحة النفسية لطفل أو مراهق أو تركّز في تنشئته على بعض الأساليب التي تجعله سوياً، كما أنّ الكثيرين يبتعدون عن زيارة طبيب نفسي حتى لا يقال انهم سيصبحون مجانين، من دون أن يدركوا أنّ أي انسان طبيعي بحاجة إلى مراجعة نفسية كل فترة أو عند التعرض لأي أزمة.

وفي هذا الاطار، دعت منظمة الصحة العالمية في بيان امس، بلدان العالم كافة إلى زيادة استثماراتها في مجال الصحة النفسية، مؤكدة أن “المعاناة هائلة” على هذا الصعيد وقد تفاقمت بفعل جائحة فيروس كورونا.

وحتى قبل بدء الجائحة، كان حوالي مليار شخص في العالم يعانون نوعاً من الاضطرابات النفسية، وفق ما أعلنت الوكالة التابعة للأمم المتحدة في دراسة.

وخلال السنة الأولى من الجائحة، ازدادت نسب الإصابة بالاكتئاب والقلق بواقع الربع. لكن الاستثمارات اللازمة للتصدي لهذه الحالات لم تشهد أي ازدياد، إذ أن 2% فقط من الميزانيات الوطنية للصحة وأقل من 1% من إجمالي المساعدات الدولية على قطاع الصحة مخصصة للصحة النفسية، وفق تقرير منظمة الصحة العالمية.

ولفت التقرير إلى أن شخصاً من كل ثمانية أشخاص في العالم تقريباً يعاني اضطراباً ذهنياً. وهذا الوضع أسوأ للأشخاص الذين يعيشون في مناطق النزاع، حيث تشير التقديرات إلى أن شخصاً من كل خمسة يعاني مشكلة في الصحة النفسية.

ودعا المسؤول في منظمة الصحة العالمية فان أوميرين إلى إنهاء الوصمة السلبية للمصابين بمشكلات نفسية، موضحاً أن 20 بلداً في العالم لا تزال تجرّم محاولات الانتحار. واذ ذكّر بأن محاولة انتحار واحدة من كل عشرين تنتهي بالوفاة، أشار إلى أن الانتحار لا يزال السبب في أكثر من 1% من الوفيات في العالم.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبرييسوس في تصريحات أوردها البيان إن “الاستثمار في الصحة النفسية هو استثمار لحياة ومستقبل أفضل للجميع”.

حافظ: لا اهتمام من الدولة والوزارة

وفي لبنان، أشار الدكتور في الصحة النفسية محمد حافظ في حديث لـ”لبنان الكبير” الى أنّ “هناك زيادة في تأثير الصحة النفسية، كما أشارت منظمة الصحة العالمية، كون العالم يمر بفترات مأساوية. وفي لبنان الصحة النفسية مغيّبة، فالاهتمام بها هو فقط من خلال المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الخاصة وأكثرها خيرية، أو متبرعين من المجتمع اللبناني يقدمون مساعدات للمرضى، أمّا الدولة فهي غائبة تماماً عن هذا الموضوع وكأنّ لا شيء يعنيها”.

أضاف: “المساعدة للقطاع النفسي صفر، فلا يلقى الضوء عليه بدليل أنّ المراكز أو العيادات الصحية موجودة في المستشفيات الخاصة فقط، ولو كان هذا الموضوع يعني الدولة لكانت أنشأت أقساماً للأمراض النفسية والعقلية في المستشفيات الحكومية. حتى الضمان الاجتماعي لا يغطّي إلا لأيام معدودة، وأساساً التعاونية وشركات ضامنة أخرى لا تعترف بالصحة النفسية”.

وعن تأثير جائحة كورونا على الناس، أكد حافظ أنّ “فيروس كورونا أثر كثيراً على الجميع، فالحالة الاعلامية عالمياً أعطت نوعاً من سبق لتصنيف الفيروس، كما أعطته بعداً إنسانياً نفسياً أكثر من كونه بعداً مرضياً. عندما بدات أعداد الوفيات تزداد، حاولوا تقليص هذا القلق النفسي لكنّه بدأ يتضاعف. وبالنسبة الى الحجر المنزلي لم يؤثر كثيراً سوى على الناس التي حرمت من أعمالها، فأصبح لديها نوع من الإحباط واليأس”.

وشدد على أن لا وجود لإحصاءات رسمية عن حالات القلق والاضطراب والانتحار في لبنان، “لأنّ الدولة غير مهتمة وتحديداً وزارة الصحة العامة. ونعتمد في بعض الأحيان على احصاءات الدول الأوروبية، لكن لا يمكننا تطبيقها على مجتمعنا. فلا يزال ما يقارب 75% من المواطنين في لبنان لا يطلبون إستشارة طبيب نفسي مباشرة، ويتوجهون اما إلى طبيب صحة عامة أو اختصاصي في الجهاز العصبي أو الدماغ، لكنّهم يصلون الى مرحلة لا يفيدهم العلاج ولا يشعرون بالتحسن، فيبتعدوا عن الاستراتيجية العلاجية. وعندما يقررون لاحقاً زيارة الطبيب النفسي تكون صحتهم النفسية متدهورة جدّاً”.

أضاف: “لا يمكن للانسان أن يبدع وينتج اذا كانت صحته النفسية متدهورة”.

في السياق، اعتبرت احدى المعالجات النفسيات أنّ “الطبيب النفسي يحتاج هو نفسه إلى زيارة طبيب نفسي آخر للإطمئنان الى صحته النفسية. فنحن أيضاً بشر ونتعرض لضغوط في حياتنا نتيجة حوادث شخصية وليس بسبب المرضى ومشكلاتهم”.

وروت م.س تجربتها مع فيروس كورونا قائلةً: “كنت أستهزئ بهذا الفيروس وأرى أنّ الجميع يضخّم الأمور، لكن بعد إصابتي به أدركت كم أنّه مؤذ، وتدهورت صحتي النفسية في فترة العزل وشعرت بالاحباط وأصبحت عاجزة تماماً”.

وأكدت أنها لا تحبّذ الذهاب إلى طبيب نفسي بسبب التكلفة أولاً، وثانياً لأنها لا ترتاح حين تفصح عن مشكلاتها لشخص غريب “وأفضّل أن أفضفض لرفاقي”.

شارك المقال