أزمة النفايات… محلولة؟

نور فياض
نور فياض

لا تزال الأزمات تنهمر على لبنان الواحدة تلو الأخرى لتتجمّع في قلب اللبناني مثلما تتجمّع النفايات في قلب المناطق كافة. فمشكلات الدولة حول هذه الكارثة أرهقت اللبناني نفسياً وبات على موعد دائم مع رائحة النفايات التي ترافقه في مشاويره طالما أن الدولة مشلولة عن تنفيذ واجباتها، وما عليه الا انتظار معجزة لتفادي هذه الرائحة والمنظر المقزز. فهل الجمعيات المتخصصة في اعادة التدوير ستكون هي المعجزة المنتظرة؟

تقول الخبيرة في البيئة والتنمية مديرة جمعية Green Community سنا بو ديب أنطون لـ”لبنان الكبير”: “هذه الجمعية بدأت مسيرتها منذ العام ٢٠١٣ وأطلقنا برنامج (دوّرها) الذي كان يعنى بفرز النفايات من المصدر، وشاركت معنا غالبية بلديات قضاء زغرتا الا ثلاثة منها، اضافة الى ٦ بلديات من الكورة و٤ في البترون. كما لدينا معمل ثانوي يفرز النفايات ثم يبيع كل نوع وحده، وكنا نرسل النفايات العضوية الى مزارع الخنازير”.

وتوضح “أننا استمرينا حتى سنة ٢٠١٩ الى أن أتت أزمة كورونا التي أوقفت الناس عن الفرز مجبرين خوفاً من انتشار العدوى، وكذلك الأزمة الاقتصادية كانت عائقاً أمامنا وأمام كل البلديات في لبنان التي وصلت الى مرحلة لا تستطيع فيها جمع النفايات لعدم توافر المال. لذا أخذنا كجمعية على عاتقنا جمع هذه النفايات لتفادي الأزمات الصحية التي قد تسببها شتاءً أو صيفاً”.

وتضيف: “عدنا في كانون الأول وأطلقنا حملة جديدة بالتعاون مع ٦ بلديات في زغرتا، وهدفنا جمع النفايات المفرزة من المصدر بثلاثة مستوعبات لتحسين الوجهة السياحية وطبعاً للحفاظ على النظافة وعلى سلامة المواطنين. كما أطلقت الجمعية مبادرة جديدة ومهمتها كالتالي: نشتري النفايات المفرزة من المنازل، وبذلك نشجع الناس على الفرز ونقدم لهم المال ليتصرفوا به، اما الذين لا يأخذون المال فنضع المبلغ الذي يفترض اعطاؤهم اياه في علبة وعندما يصبح معقولاً نتبرع به للعائلات المحتاجة. وقريباً سنضع لائحة بأسعار النفايات التي سنشتريها من المنازل وسنقصدها كخطوة أولى لجمع النفايات. اما الخطوة الثانية فسنضع البراميل في الأحياء وأيضاً ستمرّ شاحنة يومياً لجمعها.”

وتؤكد بو ديب أن “الأزمة الاقتصادية غيّرت نظرة اللبنانيين تجاه النفايات التي كانت مجرد قمامة ترمى في المستوعبات لتصبح مصدر رزق للعديد من الذين يقومون بفرزها بطريقة صحيحة، وهنا تخلقgreen community فرص عمل للعديد من المواطنين مما يشجعهم على المواكبة في عملية الفرز”، مشيرة الى “أننا سنتعامل مع معمل في برج حمود يصدّر منتجات مصنوعة من النفايات المفرزة الى الخارج لنقول للجميع ان بإمكاننا عدم رمي النفايات بل الافادة منها.”

وتشدد على “أننا نحارب المحاصصة وللأسف نحلّ مكان الدولة. وسنبقى نحارب ومستمرون في عملنا ونتعلم من المصاعب التي تواجهنا. فالفرز يتطلب العزيمة والتحلي بالصبر ولا نستطيع التوقف فنحن في غنى عن أزمات أخرى، (منخفف زبالة، منخفف أمراض)”.

في السياق، يشرح رئيس “جمعية الأرض – لبنان” بول أبي راشد لـ”لبنان الكبير” أهمية دور الجمعيات، ويقول: “للدولة مسؤولياتها وللمجتمع أيضاً، ففي عملية الفرز في المنازل لا تستطيع الدولة دخول كل منزل الا عبر اعطاء المستوعبات، وهناك أمور لا يمكن للمواطن أن يحل فيها مكان الدولة، ولكن كلاهما يمكنهما جمع النفايات المفرزة. ولكن الدولة اليوم غير واعية وليست مهتمة بموسم السياحة.”

ويشير الى أن الجمعية “نشأت منذ سنة ١٩٩٥ بحيث وزّعت سلات المهملات على المدارس وأخذت على عاتقها جمع الأوراق منها واعادة تدويرها، وفي هذه المرحلة لم يكن يتوافر الوعي والارادة عند الدولة بطريقة مستدامة بل كان هدفها رمي النفايات وحجبها عن العيون وبالتالي خلقت مطامر كمطمر الناعمة. اما في سنة ٢٠٠٥ فأدخلنا البلديات في مشروعنا واستعملنا الألوان لتبسيط عملية الفرز لدى المواطنين، وحتى المدارس شاركت معنا في هذا المفهوم”، لافتاً الى أن “اليونيسيف قدمت للجمعية في العام ٢٠١٨ شاحنة لجمع الأوراق ولا تزال معنا حتى اليوم. اما في العام ٢٠١٩ فبعد أن اعتمدنا اللون الرمادي للنفايات من نوع المرفوضات أثّرنا على وزارة البيئة التي اعتمدت الألوان التي اقترحناها في عملية الفرز في تعميم تحوّل فيما بعد الى مرسوم.”

ويؤكد أبي راشد أن “المجتمع المدني والجمعيات تأخذ المبادرات لتوعية المواطن والدولة، ونشهد اليوم مروحة كبيرة من الجمعيات التي لدى كل منها وظيفة معيّنة، وعلى الرغم من كثرتها الا أن بعض المهمات تحتاج الى الدولة وبالتالي لا يمكن اخفاء دور الدولة ولا حتى الجمعيات، اذ أن الجمعيات، القطاع الخاص، البلديات، القطاع التربوي ومن ثم الحكومة جميعها لها دور مهم في عملية الفرز من خلال التوعية أو المبادرات أو حتى النشاطات.”

ويعدّد النشاطات والمشاريع التي نفّذتها الجمعية منذ نشأتها حتى اليوم: أصدقاؤنا الطيور، أهداف حكومية خضراء، التسوق الأخضر لإنقاذ الأرض، ومؤخراً الحفاظ على المناطق الوطنية الحساسة بيئياً في لبنان، “ويهدف هذا المشروع الذي يستغرق 24 شهراً إلى التغلب على التحديات التقليدية والعقبات التي تقيد حفظ التنوع البيولوجي وحماية النظام الإيكولوجي لوكالة الفضاء الأوروبية في لبنان من خلال تطوير سياسة مبتكرة تستكمل بمبادرات الحفظ المجتمعية”.

مشهد النفايات المنتشرة على جوانب الطرق في لبنان، هو نفسه لا يتغير منذ سنوات، ويدل ذلك على فشل الدولة في إدارة هذا الملف الذي يشكل قنبلة موقوتة أمام الحكومة الجديدة إن ولدت، ناهيك عن التلوث البصري والبيئي.

وبين معامل فرز لا تفرز، ومطامر صحية لا تستوفي شروط العزل، ودولة تعاني من أزمات اقتصادية، تبقى حلول مشكلة النفايات بعيدة المنال.

فهل الجمعيات ستبقى صامدة في حلولها مكان الدولة وتصل الى صفر نفايات لخلاص لبنان من هذه الأزمة؟ وهل ستبقى الدولة في غيبوبة فاقدة لحاسة الشم والنظر وتستقبل زوارها بمنظر شنيع و”أهلا بهالطلة” تصبح “أهلا ببلد النفايات”؟

شارك المقال