طرابلسيون يشحذون “كسرة خبز” … في السوق السوداء

إسراء ديب
إسراء ديب

تكاد أزمة الرغيف التي تُواجهها طرابلس منذ أكثر من 5 أيّام لا تنتهي، إذْ تشهد المدينة كما الشمال عموماً ازدحاماً حادّاً أمام الأفران المختلفة، لتعود صورة الطوابير اليها لكن هذه المرّة من باب الخبز الذي يُعدّ “نقطة ضعف” المواطنين، لا سيما من يُريدون إطعام أطفالهم الذين يحتاجون حرفياً الى هذا الغذاء الذي يُعدّ رئيساً بين أطباقهم التي تُعاني أساساً من النقص الناتج عن سوء الحال المعيشية ويُحاول المواطن التأقلم والتعايش مع تداعياتها الكارثية.

تحت أشعة الشمس الحارقة ولساعات طويلة، يقف العشرات بل المئات من المواطنين أمام الأفران سعياً إلى الحصول على “كسرة خبز” كسرت نفوسهم وأجبرتهم على القبول بوضع لا يحسدون عليه، ليتحمّلوا تداعيات إهمال الدّولة لهم، وليصبروا على مشكلات متعدّدة حصلت بسبب التدافع من جهة، أو بسبب أفضلية الحصول على “ربطة خبز واحدة” من جهة ثانية.

ولا يكتفي التجار ببث سمومهم المتمثلة في إطلاق شائعات تُثير خوف المواطنين وقلقهم فحسب، بل استغلّ بعضهم هذه الأزمة من خلال التحكّم بتقديم الخبز أم لا، أو مضاعفة ثمن الربطة، ما يُدخل الخبز المرتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة الناس إلى مرحلة “السوق السوداء” التي كان يخشى منها المواطنون.

ولا تشمل الطوابير، جميع الأفران في الشمال التي واجهت الأزمة نفسها مع بدء هذه المشكلة، كالمنية، البداوي، زغرتا، الكورة، البترون، عكار والضنية… بل شملت بعض الأفران الرئيسة في المدينة والتي تُعدّ كبيرة وكانت معروفة بغزارة إنتاجها للخبز، في وقتٍ تُواجه ضغطاً كبيراً مع “قيام بعض المواطنين بطلب عدد كبير من الربطات التي لا نتمكّن من تقديمها إليه، ما يُثير الجدل عموماً بين الناس وقد يُؤدّي إلى مشكلات مع تعميمنا فكرة التقنين في تقديم الخبز، سعياً الى التخفيف من حدّة الأزمة من جهة، كما الى تقديمه لجميع الناس الذين يتهافتون على شرائه خوفاً من انقطاعه من جهة ثانية”، وفق ما أوضحت صاحبة أحد الأفران المعروفة في طرابلس لـ “لبنان الكبير”، مشيرة الى غياب الخبز الافرنجي عن الدكاكين العادية ما يفسّر الازدحام الذي تشهده طرابلس وغيرها من المناطق، مع توقف عدد كبير من الأفران في المدينة عن العمل، بعد نفاد مخزون القمح لديها مع عدم تسلّمها حصتها أخيراً.

وكان وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام أعلن الأحد الماضي أن “ملف الطحين والقمح من الملفات التي أصبحت مسيّسة لاستهدافي، وتصرّفت بكل مسؤولية وسعيت مع البنك الدولي للحصول على قرض”، مشيراً إلى أنّ هناك خطة ممنهجة لرفع الدعم وأنه يتحمل تداعيات رفضه. وأوضح أن “أكثر من 35 ألف طن من القمح دخلت إلى لبنان واختفت”، قائلاً: “سأقدم إخباراً غداً (الاثنين) حول ملف الطحين والقمح وستبدأ الملاحقات ابتداء من يوم الغد والاعتمادات ما زالت موجودة وتجار الأزمات يستغلون المواطن ويسرقون الدولة”.

ويعمد الجيش اللبناني في هذه المرحلة الصعبة التي تُقلق الكثير من الأوساط لا سيما الشعبية منها، الى تحديد نقطة حماية قريبة جداً من الأفران التي تشهد هذه الزحمة الخانقة خوفاً من اندلاع مواجهات محتملة، خصوصاً بعد قيام بعض المواطنين بافتعال مشكلات مع أصحاب الأفران الذين يُعبّرون عن قلقهم من فتح محالهم من جديد، خوفاً على أرزاقهم وعلى أرواح العمال أيضاً.

وقد أثار الاشكال الذي كان اندلع أمام أفران “العنتبلي” في باب الحديد – طرابلس، جدلاً واسعاً بعد قيام أحد الأشخاص بافتعاله مع صاحب الفرن، إذْ كان يحمل عصا وسكيناً ويُهدّده به، ما أقلق الحاضرين والمحيطين بالفرن الذين وجدوا أنّ تصرفات هذا الشخص مريبة وغير طبيعية، لا سيما أنّه بعد اتجاهه إلى الجهة المقابلة للفرن، رمى قنبلة سمع صوتها في كلّ المنطقة التي عاشت رعباً إضافياً مع تدخل الجيش القريب من نقطة الفرن، وما إن اقترب من الشخص لإلقاء القبض عليه، حتى هدّد بذبح نفسه من رقبته وبالفعل أصيب بجروح نزف منها الدم ليهرب، وهذا ما حصل، ما دفع بصاحب الفرن باسم العنتبلي إلى إغلاقه لمدّة يومين، لكنّه عاد وفتحه من جديد بحماية الجيش، ولا يزال يُطالب بضرورة فرض الدولة هيبتها وسلطتها لحماية الأفران في هذه الفترة الحرجة معيشياً وإنسانياً، خصوصاً وأنّه بعد عودته إلى العمل وقعت ثلاثة إشكالات كبيرة نتيجة التدافع.

المير: مسؤولية وزارة الاقتصاد

في هذا السياق، قال نقيب أصحاب الأفران في الشمال طارق المير في حديث لـ “لبنان الكبير”: “إن الأسئلة التي يطرحها الاعلام محقّة، لكن عليها أن تُوجّه في الواقع إلى وزارة الاقتصاد المسؤولة الرئيسة والمباشرة عن الأفران والمطاحن الخمسة التي تعمل في لبنان وهي: التاج، بقاليان، البقاع، الدورة، والشرق الأوسط وهي مقفلة، وفي حال لم تعمل كيف يُمكن للأفران أن تعمل أيضاً عند عدم تسلّمها الطحين بسبب نفاد القمح؟”.

أضاف: “يبقى الرغيف مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بلقمة عيش المواطن، وإذا قاموا بإرسال الطحين إلينا سنخبز بحسب الكمّية تحت إشراف سياسي، اقتصادي وإعلامي مباشر أيضاً”. وشدد على أنّ “لا معلومات أو مستجدّات تطال هذه القضية التي سبق أن رفعنا الصوت أمام المسؤولين لإيجاد حلّ مناسب لها، لكن لا حياة لمن تُنادي”.

أمّا عن السوق السوداء، فاعتبر المير أنّ “المواطن هو السوق السوداء بحدّ ذاتها، يرفع من خلالها الأسعار أضعافاً مضاعفة”.

وكان بعض المواطنين عمد إلى وضع بسطات للخبز لبيعها بأسعار مرتفعة، في وقتٍ تغيب المحاسبة الرسمية والمراقبة الجدّية لهذه المشكلة التي باتت تشغل بال المواطنين وتؤرقهم.

شارك المقال