لماذا لبنان أغلى سياحياً من محيطه الجغرافي؟

محمد شمس الدين

أُثارت أسعار الفنادق والشاليهات المرتفعة جدلاً كبيراً لدى الرأي العام اللبناني، فقد تداول الناشطون سعر ليلة واحدة في فندق لبناني، وقارنوها بسعر الليلة في بلدان أخرى شبيهة بلبنان جغرافياً، وحسب المتداول، 4 ليالي في مرمريس أو تركيا مثلاً تكلفتها 350 دولاراً مع برنامج سياحي، أما في لبنان فهذا المبلغ كلفة ليلتين فقط في بعض الفنادق أو ليلة واحدة في الشاليهات، فهل هذا هو واقع الحال أم أن هناك مبالغة من اللبنانيين؟ وهل سنشهد سياحة لبنانية في الخارج؟

الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية جان بيروتي انتقد في حديث لموقع “لبنان الكبير” الحملات التي تشن ضد المؤسسات السياحية اللبنانية، مشيراً الى أنه “لا تجوز مقارنة الأسعار بين لبنان وبعض الدول، ففي لبنان السياحة فردية، أما في هذه الدول فهي سياحة المجموعات، بحيث تقوم شركة ما بشراء مسبق لعدد كبير من الليالي قبل سنة، وتأخذها بسعر قليل، مثلاً يذهب مندوب الشركة إلى فندق في تركيا، ويفاوضه على شراء 20 ألف ليلة فيه، وفي الأيام العادية يكون سعر الغرفة بين 100 و120 دولاراً، فيأخذها بـ 50 أو 60 دولاراً، وفي الوقت نفسه يفاوض شركة طيران، ويشتري منها قبل أشهر من الموسم آلاف المقاعد سلفاً، بسعر أقل بأضعاف من سعر التذكرة في الموسم. لذلك لا يمكن مقارنة السياحة الفردية في لبنان بهذا النوع من السياحة في هذه الدول، فلبنان كله على بعضه يمتلك ما بين 20 و30 ألف غرفة فندق، اذ أن أكبر 10 فنادق في بيروت أغلقت، بينما أًصغر فندق في تركيا لديه 2000 غرفة، وهذا يعني أن أًصغر قرية سياحية في تركيا، لديها غرف أكثر من كل لبنان، هذا عدا عن أن الدولة هناك تعطي محفزات، بحيث يمكنك الاستثمار على البحر بدولار واحد للمتر، ويسمح لك ببناء كبير، أما في لبنان فالاستثمار يكلف بين 4 و5 آلاف دولار على البحر، وممنوع البناء أكثر من طابقين”.

أما الأخطر برأي بيروتي فهو كيف تسوق هذه الشركات لمشاريعها السياحية، عبر تجنيد ناشطين ومؤثرين من أجل جذب الناس لشركاتها. وتوقع “أن يسافر حوالي 250 ألف لبناني للسياحة، وهذا يعني أنهم سيخرجون حوالي ملياري دولار من البلد، وهذا أمر له تأثيرات كبيرة في الوضع الاقتصادي الحالي”، لافتاً الى أن “بامكان أي كان تصفح مواقع الحجوزات، وسيرى أن الأسعار الحقيقية للغرف في هذه الدول هي إما تساوي سعر الغرف في لبنان، أو حتى أن لبنان أرخص، ولكن الفرق هو كما قلنا إن الشركات التي تعتمد سياحة المجموعات من الطبيعي أن تكون أسعارها أرخص”.

أما المدون السياحي وصاحب شركة سياحية سابقاً عماد بزي، فرأى أن ارتفاع أسعار الخدمات السياحية في لبنان له عوامل عدة تتضافر لتساهم في هذا الارتفاع غير المنطقي في الأسعار، خصوصاً إذا ما قورنت بمستوى الخدمة، موضحاً أن “هناك خمسة عوامل لهذا الإرتفاع: العامل الأول هو أن غالبية المشاريع السياحية هي إستثمارات عالية الخطورة قياساً مع وضع البلد الأمني والاقتصادي والاجتماعي والخضات المجتمعية والمصرفية المستمرة، لذا يحاول مقدم الخدمة قطف الموسم وتعويض مدفوعاته وتحصيل الأرباح في أقصر وقت، للتقليل من المخاطر فيلجأ إلى رفع الأسعار بوتيرة متزايدة من دون أدنى اعتبار لاستدامة المشروع، أو محاولة جعله مشروعاً قابلاً للحياة على مدار العام بدلاً من كونه مشروعاً موسمياً. العامل الثاني هو إرتفاع كلفة المواد الأولية وغياب الخدمات، فالمرافق السياحية بحاجة إلى الكهرباء والماء واليد العاملة وحتى المأكولات، فمع تدهور واقع الخدمات يتعين على مقدم الخدمة تأمين بدائل مثل مولدات الكهرباء، ويعاني بدوره من تأمين محروقاتها والمياء التي يشتريها من طرف ثالث، واليد العاملة التي تكاد تصبح مفقودة لأنها بدورها تبحث عن الأمان الوظيفي، حتى أنه وردتني شكوى منذ يومين من صديق يدير مرفقاً سياحياً بأنه لا يستطيع تأمين الخبز لفطور الزبائن، وهي الخدمة التي دفعوا ثمنها مسبقاً. كل هذه المواد، وإن توافرت فهي من السوق السوداء وبأسعار مرتفعة وبالواسطة والرشى، ما يدفع مقدم الخدمة إلى تعويضها من الزبون. العامل الثالث هو تقلب أسعار الدولار، وهذا بدوره يؤثر على تضخم الأسعار، ويزيد من هامش المخاطرة فيلجأ معظم مقدمي الخدمات إلى التسعير بالدولار مباشرة، أو إلى فرض مبلغ مرتفع بالليرة تحسباً لإرتفاع سعر الصرف. العامل الرابع له علاقة بالهوة الآخذة في الإتساع بين طبقات الشعب اللبناني، فبعد أن كان هناك أغنياء وطبقة وسطى عليا وطبقة وسطى دنيا وفقراء، بات هناك اليوم الأغنياء وطبقة الفريش دولار والمغتربون والفقراء، ما يعني أن مقدم الخدمة ألغى من حساباته ثلاث طبقات هي الوسطى العليا والدنيا والفقراء معتمداً على الفئات التي تستطيع الدفع بالدولار، كالأغنياء وأصحاب الفريش دولار والمغتربين، هؤلاء عموماً قادرون نظرياً على توفير حاجته من الأرباح، فما همه إن رفع السعر طالما أن الطلب يواكب العرض، لا بل يفوقه؟ مع كل هذا الارتفاع لا يزال المغتربون على سبيل المثال يشكون من عدم توافر الحجوزات بسبب كثرة العرض والطلب. العامل الخامس والأخير هو غياب أمرين أساسيين في عالم السياحة، أولاً توافر الخدمات والبنى التحتية وثانياً التخطيط الاستراتيجي والسياسة السياحية الرشيدة، في لبنان تغيب هذه العوامل كلها، فلا مرافق عامة ولا خدمات ما يضطر مقدم الخدمة الى إضافة أسعار البدائل (كالمولدات) الى الأسعار، أما غياب التخطيط فيعود الى الإهمال المزمن للقطاع السياحي القائم كلياً على مبادرات فردية ويقتصر دور الدولة اللبنانية على بضع لوحات إعلانية، ويزيده سوءاً غياب المنافسة ما ينتج عنه فوضى عارمة في التسعير”.

أضاف: “هذه المشكلات الخمس الأساسية لا تراها في بلدان أخرى، ما يفسر الفارق الشاسع في التكاليف، فتركيا على سبيل المثال تمنح الشركات السياحية تخفيضات وحسومات ضريبية وتوفر الخدمات من ماء وكهرباء ومواد أولية وحتى تسهيلات بالفيزا وغيرها، وكلها برعاية الدولة وسياستها لتعزيز السياحة المسؤولة عن جزء كبير من مدخول البلاد، فترى الاستثمار السياحي على أنه مسار مستدام يدخل العملات الصعبة الى البلاد، عكس الفوضى الموجودة في لبنان تماماً”.

ورفض بزي فكرة وجود مؤامرة ضد المرافق السياحية في لبنان، قائلاً: “ليست هناك مؤامرة من أي نوع، بل هناك تضافر للأسباب السالفة الذكر مع الجشع والخوف من الاستثمار، وهذا مزيج خطير يقضي كلياً على السياحة المستدامة ويحصرها بموسم (الدفيعة)، على عكس كل ما تم العمل عليه في خمسينيات لبنان وستينياته وسبعينياته الذهبية (سياحياً)، الى أواسط التسعينيات، وحتى إغتيال الرئيس رفيق الحريري، مع كل الأزمات التي عصفت بالبلاد خلال هذه السنوات”.

وعن الحجة بشأن أسعار سياحة المجموعات مقارنة بالأفراد، أكد بزي أنها “غير قائمة وغير صحيحة وغير منطقية، سياحة المجموعات هي فكرة آسيوية إنتهت منذ زمن، هل تظن إن كنت ستحجز رحلة الى تركيا من لبنان سيجعلك مكتب الرحلات تسافر في الوقت الذي تنطلق معه رحلته؟ هذا مستحيل، بل على العكس سياحة المجموعات تعمل أكثر داخلياً في لبنان، حيث تستطيع المجموعة استئجار باص أو تقوم الشركة بتسيير رحلات في أوقات وتواريخ محددة”.

ومن جهة الفرق في الأسعار أوضح بزي أن “السعر يختلف وفقاً للوقت والزمن ومدة الحجز، ويتراوح الفارق بين 200 إلى 500 دولار للمدة الطويلة. وهنا مثال رحلة لشخصين الى مرسين في تركيا لخمسة أيام (خدمة خمس نجوم)، تكلفتها 660 دولاراً، مقابل 1750 دولاراً للمبيت والفطور في قرية صغيرة جنوب لبنان ومن دون خدمات، وهذا تفنيد بسيط لكلفة الرحلة:

بيروت – اسطنبول على متن اناضولوجيت: 133$ * 2 = 266$

اسطنبول – مرسين على متن اناضولوجيت 250 ليرة *2 = 500 ليرة = 28$

فول بورد مرسين: غرفة وأكل وشرب وبوفيه مفتوح \ 4 ايام 1700 ليرة *2 = 3400 ليرة = 196$

تسوق 4 قطع ثياب للشخص من محل متوسط = 480* 2 = ليرة 960 = 55$

نثريات وخلافه: 1000 ليرة للشخص * 2 = 2000 ليرة = 115$

المجموع = 660 دولار.

بالإضافة إلى فكرة السفر والسياحة في بلد آخر وخوض التجارب فيه”.

شارك المقال