تعنيف المرأة لا ينتهي… والمسرح يخفف أوجاعها

آية المصري
آية المصري

هي نورهان، فرح، ياسمينا، حنين، قمر وسحر… شخصيات متعددة لفتيات ونساء يتعرضن يومياً للعنف المنزلي بمختلف أنواعه، الجسدي، اللفظي، المعنوي، عنف القانون، وعنف العادات والتقاليد، ومن يمارسه قريب جداً من المعنفة، زوجها، والدها، أخوها، أمها أو أحد أقربائها، ومجتمعها الضيق الذي يذكرها في كل لحظة بأنها تعاني نقصاً ما نتيجة نظرته المتدنية للمرأة.

من يقرأ هذا الموضوع سيعتبر أن هناك نوعاً من المبالغة الكبيرة والسبب أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين، لكن على أرض الواقع لا تزال نسبة كبيرة من الفتيات عرضة لهذا العنف الممنهج بحقها ولا مكان يشعرها بالأمان والسلامة، وخاصةً في المناطق النائية والبعيدة عن العاصمة. ربما في بيروت إمكان الوصول الى جمعيات تساعدهن وتقلل من نسبة الخطورة على حياتهن أكبر مما هي في المناطق البقاعية أو الشمالية أو الجنوبية.

من هنا، بدت الحاجة ماسة الى إنشاء جمعيات تساعد المُعنّفات على تخطي أزماتهن الجسدية والمعنوية التي تنتج عما يتعرضن له. وهذه الجميعات تقوم بدور فاعل في المجتمع من خلال التوعية التي تُقام عبر نشاطات مختلفة ومتنوعة كالمسرح أو الموسيقى أو الرسم، وعندما تحدد الحالة والتأكد من أنها تتعرض للعنف يتم تحويلها الى مساعد إجتماعي يجعلها تخرج من مشكلاتها ومن العقد النفسية التي تهمين على كل مجرى حياتها.

وإنطلاقاً من مبدأ مساعدة المعنفات وتوعيتهن نفسياً وجسدياً على المخاطر التي يتعرضن لها، ومن أجل نشر هذه القضايا بين أبناء المجتمع الواحد، أقامت جمعية “اكشن ايد” في بعلبك عرضاً مسرحياً صباح أمس تحت عنوان “هُنَ”، يعنى بتسليط الضوء على كل أنواع العنف الممارس بحق الفتيات من خلال جلسة عبارة عن عشرين دقيقة تروي فيها كل فتاة سيناريو ونوعاً جديداً من العنف.

واستهلت الجلسة مديرة المشروع رولا زعيتر بالقول: “RDFL أو التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني، جمعية نسوية متواجدة منذ العام 1976 على الأراضي اللبنانية تعنى بحقوق النساء وإلغاء التمييز الحاصل بين الجنسين ومناهضة العنف بكل أشكاله الممارس ضد النساء. واليوم نحن متواجدين في هذا المركز وفي هذه المساحة الآمنة ضمن مشروع اسمه spatou يهدف الى حماية النساء والفتيات وتعزيز ثقتهن بأنفسهن من أجل النهوض بأوضاعهن في المجتمع. وهذا المشروع سيكون لمدة أربع سنوات لتدريب وتمكين الفتيات اللواتي تترواح أعمارهن من 18 الى 32 عاماً على مدار هذه السنوات، بالاضافة الى أنه سيكون وفق المواضيع التي يرونها مناسبة لاحتياجاتهن”.

أضافت زعيتر: “من ضمن الأنشطة التي تم إختيارها، هذا المسرح التفاعلي والفكرة ولدت من الفتيات وكل الأفكار من وحي المجتمع. ونظراً الى الانتهاكات المتعددة لحقوق الانسان ولاسيما لحقوق النساء والفتيات لذلك نرى أن هذه القضايا تُخرق من قبل المجتمع وسعينا الى تسليط الضوء عليها”.

وفي حديث لموقع “لبنان الكبير” مع الفنان والأستاذ المسرحي رامي شاهين، أوضح أنه أتى الى هذه الجمعية بهدف إعطاء ثماني حصص من العمل المسرحي مع “التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني”، مشيراً الى أنه “كان للفتيات الكثير من القضايا التي أحببن تسليط الضوء عليها مما جعلني أطلب إختيار المواضيع التي يرغبن في أن نعمل عليها واخترن موضوع العنف، ما جعلنا نقوم بدراسة حول أنواع العنف، وكل فتاة إختارت نوعاً منه كي تكتب وتتحدث عنه. وكل مشاركة في الحصص كتبت المونولوج وبعدها عملت عليه لجعله نصاً مسرحاً متكاملاً من خلال إضافة التعديلات المهمة الى سياق القصة وجعلها متناسبة مع الواقع”.

ولفت شاهين الى أن “الفتيات اللواتي إخترن هذه الدورة متزوجات وعازبات وطالبات جامعيات، اما أعمارهن فتترواح بين العشرين والأربعين عاماً. والجنسيات مختلفة بين لبنانيات وسوريات وهذه الجمعية لا تفرق بين امرأة وأخرى بغض النظر عن الجنسية. وهذا العرض المسرحي أقيم على مراحل عدة، بداية تعرفت الفتيات على المسرح وعلى أدوات الممثل وكيفية تطويرها، ومن ثم التركيز كان على النصوص وتركيبها عبر الكتابة والإرتجال والأسلوب المعتمد لكتابتها كان من خلال تدوين الأفكار أثناء العمل الجماعي خلال الحصة كي تبنى هيكلية النص بطريقة جيّدة. اما المرحلة الأخيرة فكانت من خلال التدريب والتمرين على هذه النصوص قبل أن تظهر بصورتها النهائية”.

أضاف: “بناءً على كل ما قمنا به، تأكدنا أن أنواع العنف تختلف ضمن القوانين اللبنانية المنصوصة، وأهمية هذا النشاط تكمن في أن تتحدث المرأة عما تريده. وواجهنا في المرحلة الأولى صعوبات كثيرة تتعلق بالكلمات المختارة لأن الفتيات عجزن عن قولها، والأسئلة كانت عديدة وأهمها هل من العيب التحدث في هذه التفاصيل والمواضيع؟ وبعد التدريبات اللازمة التي قمنا بها باتت الفتيات يشجعن بعضهن البعض كي يتحدثن من دون خجل ولكسر التابو المهيمن على المجتمع الذي ينتمين إليه”.

وأكد شاهين أن “النص لا يعالج قضايا المرأة إنما يناقشها، وأهمية هذا النوع المسرحي أنه يعرض الأفكار ويناقشها ويترك مجالاً للجمهور كي يناقشها بعد أن ينتهي العرض. وبالتالي من يحضر هذا النوع يخرج من المسرحية ولا يزال يتناقش في القضايا ويتناقلها”.

يبدو أن العنف يحيط بالنساء أنى ذهبن، وهذه الآفة لن تنتهي في المجتمع خاصة في ظل ما نشهده عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. ولكن لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي بإنتظار الرجل أو المجتمع الذي يعيد التعنيف من جديد.

شارك المقال