على هدير اهدن – زغرتا

نور فياض
نور فياض

“ع هدير البوسطة من زغرتا الى اهدن”، تحريف مقصود لكلمات أغنية فيروز الشهيرة التي تصف رحلة باص من ضيعة حملايا لضيعة تنورين في لبنان. كما بات معروفاً أن الأزمات التي تتوالى على اللبناني لا تعد ولا تحصى ولا مخرج لها، ومنها أزمة النقل، اذ أن أسعار المحروقات فاقت الخيال، والمشوار ألغيَ من قاموس اللبناني، وسيارته تحفة مركونة لا تتحرك الا للضرورة القصوى، ما رتب عليه عبئاً آخر من الأعباء المعيشية.

ولتخفيف هذا العبء، أطلقت جمعية “دنيانا” مبادرة “البوسطة” وهدفها نقل المواطن من زغرتا الى اهدن ذهاباً واياباً عبر بوسطة حديثة بمواصفاتها.

“دنيانا” جمعية غير حكومية، حديثة التأسيس، مركزها في الشمال وتهدف الى تلبية حاجات المواطن من دون مقابل، تترأسها السيدة لين زيدان فرنجية التي لم تكل ولم تتعب لتوفير كل أساليب الراحة والفرح لأبناء زغرتا – اهدن.

تقول فرنجية لـ”لبنان الكبير”: “انطلقت الخميس أولى رحلات البوسطة وسط اقبال كثيف من أبناء المنطقة وتحديداً الموظفون وأصحاب المحال، فهذا المشروع مخصص لمساعدتهم على تحمّل الأعباء الاقتصادية. تواصلنا مع عدة مؤسسات وموظفي المحال في المنطقة وأخذنا المواعيد التي تتناسب مع الممرضين والموظفين، لوضع مواقيت رحلات البوسطة”.

وتضيف: “نشهد في هذه الفترة غلاء في المحروقات وكلفة باهظة لسيارات الأجرة، وبالتالي أصبح المواطن يحسب ألف حساب للذهاب الى عمله، لذلك أنشأنا هذا المشروع وخصصنا باصين كخطوة أولى ولكل منهما ٤ رحلات صعوداً ونزولاً صباحاً، عصراً ومساء من الاثنين الى الجمعة.”

وتتابع فرنجية: “في ما يتعلّق بكيفية الدفع، الكلفة شبه رمزية، الدفع بطريقة متطورة عبر تطبيق wish بحيث يشرّج الراكب لدى أقرب فرع وعند صعوده الى البوسطة يمسح الباركود، وهكذا يخصم من تشريجه المبلغ المعتمد الذي يذهب الى احتياحات البوسطة من محروقات وأجرة السائق”.

وتؤكد فرنجية أن “البوسطة شبه متطورة، وتوفر للعامل أساليب راحة من خلال واي فاي مجاني، وبإمكانه أيضاً الاطلاع على خريطة الطريق. كما خصصنا رقم هاتف يمكن لأي مواطن الاتصال عليه إن نسيَ شيئاً ما داخل البوسطة أو لأي استفسار، وهو متوافر ٢٤/٢٤”، مشددة على “أننا بفضل هذا المشروع وفّرنا على جيبة المواطن من جهة، ومن جهة ثانية أمّنا فرص عمل لسائقين ولعدد من الشباب مهمتهم تلقي اتصالات الخط الساخن.”

في السياق، يشير بول دحدح وهو أحد الأشخاص الذين يستقلون هذه البوسطة، الى أهمية هذا المشروع، ويقول: “البوسطة أكثر أماناً وراحة من التاكسي، تسير على مهل وتقف في المحطات المخصصة وحتى المقاعد مريحة.”

ويصف المشروع بأنه “جميل ومنظّم”، موضحاً أنه “اذا كنت برفقة مجموعة من أصدقائك تتسلى ما يخلق لك جواً من الفرح، على عكس التاكسي الذي عليك الانتظار وقتاً طويلاً لتجميع الركاب. اضافة الى أننا نعيش في أزمة اقتصادية خانقة والفرق في الكلفة شاسع بين الباص والتاكسي، وبالتالي نبحث اليوم عن الوسيلة الأوفر للانتقال الى عملنا”.

ويلفت دحدح الى أنه “من خلال هذا المشروع تستطيع تنظيم وقتك ويحثّك على الالتزام بالمواعيد واحترام الوقت.”

مؤخراً حصلت الدولة على هبة فرنسية مكوّنة من عدة باصات ولكن بسبب المحاصصة لم ينفّذ المشروع المتفق عليه، ولا تزال المراوغة قائمة حتى اليوم تجاهها، ما أدى الى فقد المواطن ثقته نهائياً بدولته العاجزة عن انجاز أي مشروع. وفي ظل الشلل الذي أصاب مؤسسات القطاع العام إستطاعت الجمعيات أن تضطلع بدورٍ أساس وتساهم في الحفاظ على وحدة المجتمع واستمراره وتأمين الراحة للمواطن الذي بات يعتبرها دولته الأساسية.

فهل ستبقى الدولة غائبة عن السمع ومتكّلة على ما تقدمه الجمعيات أم ستصحو من غيبوبتها وتهتم بحاحات المواطن؟

حتى ذلك الحين، لا يسعنا الى أن نشكر هذه الجمعيات ونتمنى لها الدوام والاستمرارية لتبقى النور والأمل في الجحيم الذي نعيشه، حيث دولتنا لا تؤتمن على راحة شعبها.

شارك المقال