فرحة العيد تنتصر على غصّة الأزمات في طرابلس

إسراء ديب
إسراء ديب

أرخت الأزمات الاقتصادية والمعيشية بثقلها على طرابلس، لكنّها عجزت عن قتل الفرحة بحلول عيد الأضحى المبارك الذي تستقبله المدينة بكلّ ما أوتيت من قوّة وسرور، لسبيين رئيسين: أولهما يرتبط بتعلّق طرابلس وأبنائها وتمسكهم بالشعائر والطقوس الدينية والرغبة المستمرّة في إظهارها مهما بلغت الصعوبات، وثانيهما يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرة الطرابلسيين على تجاوز الابتلاءات والأحزان المرافقة لكلّ ما يطرأ عليهم من أحداث.

من حيث الشكل، غصّت الأسواق التجارية لا سيما الشعبية منها، بحركة تجارية واضحة أحيت العجلة الاقتصادية من جديد، وتميزت الليالي الثلاث الأخيرة قبل حلول العيد، بالنشاط والازدهار مع إقبال كبير للمواطنين على شراء الألبسة، والحلوى المخصّصة للعيد والمعمول. أمّا من حيث المضمون، فقد لعبت تحويلات المغتربين أو زياراتهم إلى البلاد دوراً كبيراً في إحياء منازل كانت قد قتلتها “القلّة” المالية، وفي الوقت نفسه، ومهما بلغ حجم التحويلات، فقد اقتصرت عملية الشراء على الأولويات بحدّها الأدنى وذلك نظراً الى الارتفاع الجنوني للأسعار الذي كسر ظهر المواطن، فيما غاب الإقبال على سوق “البالة” في هذه المرحلة التي وصفها أحد البائعين بأنّها “اعتيادية”، لأنّ الضغط “لا يكون كبيراً علينا في هذه الفترة تحديداً، فالموسم الحالي يصبّ في مصلحة الأسواق الشعبية”.

وفي رصد من “لبنان الكبير” للأسواق الشعبية التي غصّت بالزبائن، تحدّثت أم رامي وهي من القبّة وأم لطفليْن، عن الغلاء الذي وصفته بـ “الفاحش والكافر”، وقالت: “لقد مللت من البحث بين المحال عن ألبسة بأسعار معقولة، إذْ يتجاوز سعر القميص أو البلوزة الواحدة الـ 500 ألف ليرة، من دون التفكير في البنطلون، الثياب الداخلية، الجوارب، وثمن قصة الشعر لطفليّ رامي (11 عامًا) وعادل (9 أعوام) … وغيرها من التفاصيل التي نعجز عن التفكير فيها خاصّة وأنّ زوجي يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية المتدهورة”.

أمّا سمير ش. (40 عاماً) الذي كان يُحاول البحث عن شوكولا العيد “الأرخص والأوفر” من أحد المحال في منطقة الزاهرية، فقال: “اشتريت كيلو الشوكولا بـ 250 ألف ليرة، أمّا ما يعرف بالـ (بون بون) فدفعت ثمن الكيلو 150 ألف ليرة، ولم أستطع شراء المزيد من الحلوى بسبب وضعي المادي الذي لا يُخوّلني القيام بأيّة خطوة إضافية، لكن بهجة العيد ستبقى مهما حدث ولا يُمكننا تخطي ما اعتدنا القيام به سنوياً في هذه المناسبة”.

مسيرات مع طوابير بنزين ورصاص طائش

واحتفاء بقدوم العيد، جابت مسيرات التكبير شوارع مدينة طرابلس وهي عبارة عن مسيرات كشفية متنوّعة اعتادت التجوّل في المناسبات الدينية بين الأحياء الطرابلسية التي تستقبل هذه الفعاليات بفرح، فتفتح لها الأبواب ويقف المئات على شرفات منازلهم انتظاراً لوصول هذه المسيرات التي تحفر بصمة كبيرة لتقاليد اتبعتها المدينة لأعوام.

وبمبادرة فريدة من نوعها أطلقت من منطقة أبي سمراء، وتحديداً في سوق الخير للفاكهة والخضار التي تقع عند السكة البيضاء، تقرّر بيع الخضار وبعض الفاكهة كالجزر، البطاطا، الباذنجان، القرنبيط، الملفوف، الحامض واللوز، بـ 2000 ليرة لبنانية فقط لا غير، وذلك في تحدّ واضح للتجار “الفجار” كما وصفهم أصحاب المبادرة والقائمين عليها.

ومنذ ساعات، واجهت بعض محطات البنزين في المدينة ما يُشبه الطوابير، نظراً الى توافد المئات من المواطنين لتعبئة سياراتهم استعداداً للعيد، أو سعياً إلى غسلها وتنظيفها ممّا أدى إلى زحمة سير خانقة شهدها محيط هذه المحطات.

وكعادتها، تستقبل طرابلس أعيادها بتوتر أمنيّ يسبق فرحتها، إذ وقع إشكال كبير بين عائلتين في سوق الخضار الطرابلسية، أدّى إلى إطلاق رصاص كثيف أقلق الأهالي لا سيما الزبائن الذين هرب الكثيرون منهم خوفاً من اندلاع أيّ توتر أمني قد يعيق عودتهم إلى منازلهم أو مناطقهم آمنين، خاصّة بعد الظهور المسلّح الذي أخافهم أكثر ليُقابله مشهد تدخل الجيش الذي (وفق أحد المصادر لـ “لبنان الكبير”) لم يتدخل سريعاً وطلب مؤازرة عاجلة كيّ لا يتفاقم التوتر أكثر بين هذه المناطق، فيما سُجل امتعاض شعبيّ كبير بسبب تأخر التدخل، إذْ قال أحدهم: “فلينتظروا أكثر ليسقط قتيل أو جرحى حتى يتدخلوا، فهذه الأجواء التي تسبق العيد يجب أن تحفظها تدخلات أمنية سريعة لا تسمح بالتدهور الأمنيّ مهما حدث”.

ولا يقتصر إطلاق الرصاص الطائش على الإشكالات التي تُعدّ روتينية مع تفلت السلاح الفردي والرشاش، بل يُطلق تزامناً مع إصدار نتائج الشهادات المهنية الرسمية و”يلعلع” في سماء المدينة، التي ستكون على موعد مع أيّام منتظرة تبدأ بزيارة القبور ووضع نبتة “الآس” عليها، شراء كعك العيد، صلاة العيد، وصولاً إلى الزيارات العائلية المتبادلة التي باتت لا تحصل الا مرّات قليلة سنوياً.

شارك المقال