ربطة الخبز تُشعل طرابلس!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يُفكّر الطرابلسيون خلال أيّام عيد الأضحى المبارك سوى بربطة الخبز التي كان عليهم تأمينها والوقوف أمام طوابير “طويلة عريضة” للحصول عليها بعد مشقة كبيرة، في ظلّ أزمة أخفتها من الرفوف والمحال التجارية الكبيرة منها والصغيرة، وأدّت إلى وقوع إشكالات عدّة دفعت المواطنين إلى طعن بعضهم بعضاً بلا شفقة أو رحمة، وذلك في تعدّ إنسانيّ واضح ظهرت معالمه مع شدّة الأزمة التي تعيشها المدينة منذ ما يُقارب الشهر.

ولا يُخفي الطرابلسيون حجم الأزمة التي تفاقمت خلال العيد تحديداً، “الأمر الذي دفعني للتوجه الى أحد الأفران في دير عمار بعد منتصف الليل وبقيت منتظراً حتّى أولى ساعات النهار، للحصول على ربطة خبز واحدة مع العلم أنّني أقطن في العيرونية – القبة”، حسب ما قال جاد ع. لـ “لبنان الكبير”، مشيراً الى أنّ المواطن حينما كان محروماً من أصناف عدة من الطعام لاسيما اللحوم، كان يتمكّن من إشباع نقصه الغذائي بالخبز، لكن خلال فترة الأعياد “كنّا نستطيع تأمين حصّة غذائية ولو صغيرة من اللحوم بسبب الأضاحي، لكن هذه المرّة شحذنا الخبز وهو أصعب بكثير من أيّ عنصر آخر”.

هذه الحال التي عاشها جاد، هي نفسها واجهت وائل د. الذي بات محاصراً بالطوابير، وأكد أنه “مسلسل تعيشه طرابلس منذ فترة بلا حلول مرضية… إذْ كنت أتمكّن من الوقوف في الطوابير، لكنّني رجل مسنّ وأبلغ من العمر 65 عاماً، ولن أستطيع الاستمرار على هذه الحال، ما اضطّرني إلى دفع مبلغ ولو بسيط لأحد الشبان ليشتري لي ربطة خبز كلّ يوم”.

يُمكن القول إنّ طرابلس التي تكثر فيها الأفران المعروفة بأعدادها الكبيرة من جهة، وباسمها وشهرتها التي تتجاوز حدود طرابلس والشمال من جهة ثانية، رفعت هذه المرّة “أصابعها العشرة” استسلاماً لأزمة الخبز المستمرّة من دون توقف، وهذا ما يُشعل محيط الأفران يومياً ويجعلها عرضة والمواطنين لأحداث ومشكلات يومية قد تُؤدّي إلى جرائم قتلٍ لا تُحمد عقباها.

وفي هذا الإطار، وقع إشكال كبير بين المواطنين أمام أفران “الريداني – الأكومة” في منطقة البداوي في طرابلس، تخلّله إطلاق رصاص كثيف أدى إلى سقوط ثلاثة جرحى، أحدهم وهو (ط.غ.) أصيب بطلق ناري في رقبته، وكان بحاجة ماسة إلى وحدات دم. وحسب المعطيات فإنّ الإشكال وقع “كالعادة” بسبب أفضلية الحصول على ربطة الخبز التي دفعت عدداً كبيراً من المواطنين إلى كتابة منشورات تُؤكّد عجزهم عن الحصول عليها منذ أيّام، فضلاً عن حصول مشكلات أخرى دفعت في الوقت نفسه إلى قطع جزئي لطريق باب الحديد أمام أفران العنتبلي، كما طريق المنية من قبل أحد أبناء المنطقة، الذي حمل ورقه في يده كتب عليها: “بدي خبز”. 

سوق سوداء وفوضى

من المعروف أنّ أزمة الخبز في طرابلس كانت قد أفسحت المجال أمام إغراق المدينة في “مستنقع” السوق السوداء من جديد، لكن معطيات “لبنان الكبير” تشير إلى أنّ هذه الأزمة التي لن تستمر طويلاً وتقتصر على طرابلس وبعض المناطق الشمالية فقط، تُواجه فوضى كبيرة اتهم بسببها العمال السوريون باستغلالها لصالحهم، إذْ يلفت بعض المتابعين إلى أنّ المئات من ربطات الخبز كان يُوزع قسم منها على المقرّبين من هؤلاء العمال، فيما يخصّص القسم الثاني لبيعه في السوق السوداء بأسعار مضاعفة.

وفي الوقت نفسه، تمكّن بعض المواطنين من استغلال الأزمة أيضاً من خلال شراء ربطات الخبز من خارج المدينة (بيروت، جونية، جبيل…)، وبيعها في طرابلس بأسعار مرتفعة تتجاوز الـ 35 ألف ليرة لدى البعض، “وهي أسعار وأساليب لا تخفى على القوى الأمنية التي لا تغفل عنها”، وذلك وفق مرجع أمني أكّد لـ “لبنان الكبير” أنّ بعض العناصر يتغاضى عن هذه العمليات لقاء بدل ما، فيما سيتمّ اتخاذ قرارات حاسمة ضد الأفراد أو المجموعات التي تقوم بجمع الربطات لبيعها لا سيما من وزارة الاقتصاد التي تتحمّل مسؤولية ما يحدث أيضاً”، واصفاً هذه الأزمة الكبيرة بـ”الزوبعة التي لن تدوم طويلاً، إذْ سيعود كلّ شيء إلى طبيعته قريباً كأيّ أزمة خانقة أخرى…”.

شارك المقال