بين الحقيقة والاقناع!

علي بو حرفوش

في ظل واقع صعب ومر يعيش اللبنانيون، وفي قلب أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث؛ أزمة اقتصادية متخمة بالمصائب التي يعاني منها الشعب اللبناني يومياً، ومشكلات اجتماعية واقتصادية لم تكن في الحسبان، فمنذ زمن الجراد والمجاعة والحربين العالميتين، لم يشهد لبنان واقعاً مريراً كما يشهده اليوم.

وكما في كل مشكلة أو أزمة يعاني منها بلد ما، لا بد من معالجتها، والأهم من ذلك، معرفة أسبابها والوقوف على انعكاساتها السلبية، لمعالجة قدر الامكان صعوباتها، والحد من تفاقمها وتضخمها، الا أننا في لبنان، لا نشهد مثل ذلك.

في لبنان يا سادة؛ نشهد لامبالاة مقصودة، وخطى جبارة متعالية فوق جراح كل لبناني، وكأن من يعانون هم ليسوا أبناء هذا الشعب الذي أعاد فرز هذه المنظومة السياسية من جديد، وهي، كعادتها، أعادت بكل بساطة، وضع هذا الشعب ومواطنيه تحت سندان حياة معيشية مرهقة وقاسية، وضعت وعن تصور ودراية تامة، مواطنين أعادوا انتخابها في خانة المعاقبة القصوى، فمن انتخب جلاديه، من الطبيعي أن تكون النتيجة، تنفيذ حكم الاعدام به!.

أعود سطوراً الى الوراء لأتابع تحليلي البسيط المنطقي؛ معرفة مسبب المشكلة هي الطريق الوحيد لكبحها، وإنزال حكم القانون به، طبعاً يجري تحقيق ذلك، بعد البينة واليقينية، وهذه البينة التي تعتمد على قانون، له أجهزة ادارية مخول لها تطبيقه، وهي لا تخفى على أحد، القضاء اللبناني بكل مقوماته واختصاصاته وصلاحياته، ولكن هيهات!.

على الرغم من كل الأزمات والهزات والزلازل التي أحدثها الفساد والمفسدون على طول مساحة لبنان، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، حتى مياه بحره وأنهاره لم تسلم من فسادهم؛ وعلى الرغم من كل تسليطات الضوء، والأدخنة السوداء المتصاعدة من الأوكار الفاسدة لم نشهد تحركاً واضحاً ولو مرة واحدة للقضاء، ولو على سبيل التصدي فقط أو المواجهة.

في دولة تقاعس قضاتها عن القيام بواجبهم، وربما طاعة لأحزابهم، من الطبيعي أن لا يكون هناك قانون يطبق، أو فاسد يعاقب؛ وموارد تستنزف، وأدمغة تهاجر، وبطالة تنتشر، وجهل يسود الجميع.

أصبحنا في حالة واقعية حقيقية، مفتعلة، من أسبابها الحقيقية، عجز القضاة، نعم عجزهم عن رؤية الألم الكامن في الوجوه التي حرمت أدنى درجات حقوقها، والتي سلبت لقمة عيشها الكريمة، عجزهم عن قراءة مبسطة، لأسباب ارتفاع معدلات الجريمة في كل ربوع الوطن وأرجائه، ولغير ذلك الكثير، حق لنا أن نتساءل، هل مات القانون في بلدنا؟ أم أنه مجرد وريقات تم الاتفاق عليها، وجرى رميها في الأدراج كالعادة، مع وقف التنفيذ؟

أردت أن ألفت النظر الى الجسم القضائي، هذا الجسم الوحيد القائم بذاته، القادر وحده على تطبيق القانون، وإنزال أقصى العقوبات بالفاسدين، هو وحده فقط؛ من يعيد سيادة القانون فوق الجميع.

ما وصلنا اليه، هو حالة من الضياع، سببها بالدرجة الأولى رفض الحقائق، والأدلة والبراهين الدامغة، وبكل بساطة، اعادة صياغة النصوص، على درجة عالية من الاقناع الكاذب، عماده مؤسسات اعلامية، وصحف، ودراسات وهمية تنشر هنا وهناك، فقط من أجل دحض حقائق وبراهين وأدلة، حتى باتت هناك مؤسسات اختصاصها وهدفها بالدرجة الأولى، انتاج الاقناع، ولو كان كاذباً، وهذا ما أصبح سلاحاً تملكه أحزاب السلطة اليوم، استراتيجيات الاقناع، يكون الهدف منها كسب النقاش والصراع السياسي، ولو على جراح اللبنانيين.

ختاماً، في بلد حمل في طياته صدق الكلمة وحريتها، وحمى دستوره الحقيقة وقدسها؛ في الوطن الذي أنجب شارل مالك وجبران خليل جبران، وطن النجوم الذي تغنى به ايليا أبو ماضي، ورقص على ألحان حريته في قصيدته المشهورة “وطن النجوم أنا هنا”، لنا حق أن نقول، ماتت الحقيقة، ولم يعد لها وجود فيه، آملين ألا يأتي اليوم الأسود، الذي نخافه جميعاً، اليوم الذي تقمع فيه الحريات.

شارك المقال