“الليالي الايرانية” في قلعة بعلبك… “حلم إبليس بالجنة”

آية المصري
آية المصري

“بتروح كتير وبتغيب كتير وبترجع ع دراج بعلبك، يا قلبي لا تتعب قلبك…” هي أغنية شدت بها سفيرتنا الى النجوم فيروز على أدراج قلعة بعلبك في حفلة لا يزال يذكرها حتى اليوم كل من حضرها، وهذا أمر بديهي جداً لأن فيروز والقلعة تجمعهما الوطنية والعظمة. وليست وحدها فيروز من وقفت على أدراج قلعة بعلبك وغنت، فهناك العديد من الفنانين الكبار الذين أحيوا الكثير من الحفلات فيها يجمعهم مبدأ واحد “وطنيتهم وعشقهم للبنان”.

كل من يقصد هذه القلعة يسحر بجمالها الاستثنائي وعظمتها المتجذرة في التاريخ، وما يميز البعلبكي عن غيره هو قلعته وليست “صفيحته” التي تشتهر بها المدينة، ولكن في وقتنا الحالي بدأ بعض الزمر يقصد قلعة بعلبك لاحياء مناسبات خاصة به من دون أي خجل أو شعور بالندم. وبات أي “راع” يريد “التنشيز” له الحق بأن يقف على أدراج معبد باخوس وينشر مبادئه “اللاوطنية”. وبعدما كانت الأعلام اللبنانية ترفع في هذه القلعة، بدأت الرايات ذات اللون الأصفر الفاقع التابعة لـ “حزب الله” تهيمن عليها “على عينك يا تاجر” لأن الحزب يعتبر أن بعلبك كاملةً ساقطة له، وهنا يصح القول حلم “حزب الله” بالقلعة كـ “حلم إبليس بالجنة”.

وكما هو واضح، يسعى “حزب الله” دائماً وفي كل مناسبة الى ضرب صورة بعلبك الحضارية، الثقافية، الوطنية والأخلاقية، فلا يمكننا أن ننسى إختياره يوم البدء بمهرجانات بعلبك ليقرر الاحتفال وغناء أنشودة “سلام يا مهدي”، الا أن هذا الأمر لم يؤثر كثيراً على السياح والزوار الذين قصدوا هذه المهرجانات في يومها الأول، ولكن الملفت أن الحزب يختار توقيت الاحتفال بمناسباته في الوقت الذي يسعى البعلبكي الى تحصيل لقمة عيشه والإفتخار بمنطقته ولبنانيتها.

هذا الاحتفال لم يكن الأول ولا الأخير خاصةً بعدما قرر “حزب الله” أن يحتفل يوم الجمعة الماضي في 15 تموز الجاري بالذكرى الأربعين لتأسيسه، من خلال حفل فني للمنشد علي العطار وفرقته على مدرجات “باخوس” في قلعة بعلبك الأثرية، والدعوة كانت عامة. وبالتالي ما هو محرم على الجميع مسموح لـ “حزب الله” ومناصريه. كما لم تحصر الدعوة بفئة الرجال اذ تسابقت النساء الى الحضور، وتناقلت مجموعات “الواتساب” هذه الدعوة عبر منازل أهالي بعلبك من أجل تأمين الحشد اللازم.

بعد التواصل مع أحد أعضاء لجنة مهرجانات بعلبك الدولية، قال بالفم الملآن: “هذا الموضوع لا يرتبط بنا جملة وتفصيلاً ويرجى العودة الى بلدية بعلبك أو محافظتها”.

والملفت أكثر في الموضوع أن لا أحد يعلم ما إذا أعطي الإذن لـ “حزب الله” لاحياء هذه الأمسية على مدرجات معبد باخوس أم أنه تفرد بالقرار من دون الرجوع الى أحد؟

وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، أوضح محافظ بعلبك – الهرمل بشير خضر أن “أي نشاط يحدث داخل قلعة بعلبك هو مسؤولية وزارة الثقافة وصلاحيتها حصراً، والمحافظة لا تملك أي سلطة أو صلاحية كي تسمح أو تمنع أي نشاط مهما كان نوعه. وسلطة الوصاية لوزراة الثقافة، وهذا السؤال يوجه اليها”.

اما بالنسبة الى بلدية بعلبك، فلم نتمكن من الحصول على أي معلومة أو إجابة في هذا الصدد، ولم يرد أحد على الاتصالات المتواصلة.

وأشارت مصادر مطلعة على هذا الموضوع الى أن “من السهل حصولهم على الإذن والموافقة لأن البلدية ساقطة لهم وفي جيبتهم الصغيرة، كما كان من الواضح خلال هذا الحفل الفني تواجد رئيس بلدية بعلبك فؤاد بلوق الى جانب رؤساء بلديات قرى الجوار”، مؤكدة أن “هذا الحفل أثار الكثير من الاستفزاز خاصة لأنه تابع لحزب سياسي، ومدرجات باخوس مكان معروف ثقافياً بنمط معين ولا يحق لهم إنتهاك حرمته”.

واعتبرت هذه المصادر أن “من المعيب ضرب مهرجانات بعلبك بهذا الأسلوب، وقبل إنتهائها قرروا إحياء مناسبة خاصة بهم وداخل المكان الذي تقام فيه حفلات المهرجانات. كما يجب أن يكون المطرب على مستوى عالمي أو عربي ضخم ليقف على هذه المدرجات، ومن المعيب أن تصل القيمة الفنية الى هذا المستوى المتدني وأن يقف علي العطار مكان وقوف الفنانين العظماء. لا نريد أن نمعنهم من الاحتفال لكن كان يفضل القيام به على مرجة رأس العين كما جرت العادة”.

وحضر الحفل وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال جورج بوشكيان، ورئيس تكتل “بعلبك الهرمل” النائب حسين الحاج حسن، الوزير السابق حمد حسن، مسؤول منطقة البقاع في “حزب الله” حسين النمر، المشرف العام على “هيئة دعم المقاومة” الشيخ حسين زعيتر، المسؤول التنظيمي لقيادة حركة “أمل” في إقليم البقاع أسعد جعفر ممثلاً بمحمد عواضة، مسؤول قطاع بعلبك في الحزب يوسف اليحفوفي، الى جانب رئيس بلدية بعلبك ورؤساء بلديات قرى الجوار. وكان للحاج حسن كلمة تناولت العديد من الملفات وخاصة السياسية داخل قلعة بعلبك الثقافية، ونشر ثقافتهم القتالية واحياء راية خامنئي، واعادة “غسل دماغ” بيئتهم من جديد، الى جانب أغاني “حزب الله” التي صدحت داخل القلعة.

وبذلك يكون “حزب الله” ضرب ما تبقى من “الليالي اللبنانية” خاصة بعد غناء منشده الأغاني غير الوطنية، وقد نجح الى حد ما من خلال اضفاء صبغة جديدة على قلعة بعلبك، ولو ترك الخيار له لكان أطلق على هذه الأمسية تسمية “الليالي الإيرانية من مدرجات باخوس”. يكفي تعدياً على الثقافة اللبنانية – البعلبكية الجميلة من خلال نشر ثقافة الموت والكره والأحقاد التي تشبهكم.

شارك المقال