العالم على صفيح ساخن… و”جهنم” في ديارنا

جنى غلاييني

تشهد دول العالم لا سيما الأوروبية منها موجات حر لم يسبق أن شهدت مثلها كان قد حذّر منها خبراء في علم المناخ، ما نتج عنها عدد كبير من الوفيات والحرائق، خصوصاً كون هذه الدول غير معتادة على درجات الحرارة المرتفعة مقارنةً بدول الشرق الأوسط. وتظهر موجة الحرارة غير المسبوقة التي حطمت الرقم القياسي وكأن العالم على صفيح ساخن، وهذا ما يتطلب التكيف مع أزمة المناخ، الذي يؤدي تغيره إلى زيادة فرص التعرض لموجات حارة، تكون أكثر حدة.

فقد سجلت الحرارة في فرنسا لأول مرة 40 درجة مئوية، وحذرت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية من أنّ “الحرارة تزداد شدة وتمتد إلى جميع أنحاء البلاد”، متوقعة مستويات قياسية خاصة في غرب البلاد وجنوب غربها. وهذه الموجة الحارة هي الموجة الخامسة والأربعون التي تضرب فرنسا منذ العام 1947 وستصل إلى ذروتها على الجبهة الأطلسية من البلاد، ويتوقع أن تصاحبها مستويات قياسية من تلوث الهواء.

أمّا بريطانيا، فسجلت يوم الثلاثاء أول درجة حرارة على الإطلاق بحيث بلغت 40 درجة مئوية. وكانت درجات الحرارة القصوى صادمة بصورة خاصة للمملكة المتحدة حيث لا الناس ولا البنية التحتية مستعدة لمثل هذه الحرارة. ويُعتقد أن حوالي 5٪ فقط من المنازل البريطانية فيها مكيفات هواء. كما أصدرت وكالة الأرصاد الجوية الوطنية البريطانية أول تحذير أحمر على الإطلاق من الحرارة الشديدة يوم الجمعة الماضي.

وفي البرتغال وبسبب موجة الحر الشديدة سجل أكثر من ألف وفاة، وشددت جراسا فريتاس كبيرة مسؤولي الصحة على ضرورة أن تتجه البلاد إلى مواجهة آثار تغير المناخ في الوقت الذي يستمر فيه ارتفاع درجات الحرارة.

وتسببت موجات الحر في تأجيج حرائق الغابات المدمرة في جنوب فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من منازلهم.

وفي حديث مع الخبيرة والاستشارية في سياسات التكيف مع تغير المناخ الدكتورة ريم خميس، أوضحت لـ”لبنان الكبير” أن تغير المناخ “سببه انبعاثات الغازات الدفيئة والتي تنشأ عن مجموعة واسعة من العوامل الطبيعية والعوامل البشرية كالبناء والصناعة والزراعة ووسائل المواصلات وغيرها. ويأتي كل من ثاني أوكسيد الكربون والميثان على رأس الغازات الدفيئة، وهما يؤديان الى الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، والأبحاث أكّدت أنه منذ الثورة الصناعية حتى يومنا هذا درجة الحرارة قد ارتفعت حوالي درجة مئوية أي°1 وتشير التوقعات الى أنّ الحرارة من الآن حتى سنة 2050 سترتفع نصف درجة مئوية”.

وأشارت الى “التصدي لأزمة تغير المناخ من خلال استعمالنا الطاقة المتجدّدة أو الطاقة البديلة كلوحات الطاقة الشمسية وذلك للتخفيف من الانبعاثات الدفيئة ومن حدّة تغير المناخ، لأن العلماء يتخوّفون من ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض درجة مئوية ونصف الدرجة، وإذا أخذنا السيناريو الأسوأ في الاعتبار أي احتمال تزايد الانبعاثات الدفيئة فهناك احتمال أن تزيد حرارة الأرض درجتين مئويتين، وكل هذه التوقعات ترافقها كوارث طبيعية من شأنها أيضاً أن تغيّر في المناخ”.

وقالت خميس: “بما أن درجة حرارة الأرض زادت درجة مئوية فبالطبع ستصبح هناك موجات حر ويمكن لدرجات الحرارة أن تتسبب بجفاف وتصحّر وتبخر للمياه الجوفية والسطحية فتزداد درجة الرطوبة، إضافة الى ذوبان الجليد الذي يؤدي الى ارتفاع سطح البحر فتصبح المناطق الساحلية معرّضة لهذا الارتفاع”.

وعن مدى تزايد حدة موجات الحر، أكدت أن “التنظيم المُدني عامل مهم وأساس في التخفيف من حدة موجة الحر إضافة الى مواد البناء المستعملة التي من شأنها أن تحبس الحرارة، ولهذا السبب كلما ابتعدنا عن المدينة المكتظة بالأبنية والمصانع نشعر بحرارة أقل”.

أمّا عن موجات الحر الحالية التي تضرب الدول الأوروبية، فلفتت الى أن “الأوروبيين غير معتادين على موجات الحرارة المرتفعة التي تصل الى 40 درجة مئوية، اذ كانت موجة الحر تضرب المناطق الأوروبية مرّة واحدة كل عدّة سنوات، أمّا اليوم وبفعل التغير المناخي فأصبحت موجات الحر تطال أوروبا أكثر من مرة في السنة الواحدة. ففي العام 2003 شهدت الدول الأوروبية موجة حر مميتة أدّت الى وفاة أكثر من 100 ألف شخص، وتعتبر بلدان أوروبا حساسة أكثر من غيرها وعرضة لموجات الحر، فالمدارس والجامعات وبيوت الأوروبيين غير مجهّزة بالتكييف”.

وعما إذا كان لبنان من البلدان الأكثر عرضةً لموجات الحر، شددت خميس على أن “لبنان عرضة بالتأكيد كونه محدوداً بمنطقة صحراوية، لذا يتأثّر بتغيّر المناخ، ولأّنه على الساحل يشهد على درجات حرارة المياه مما يؤثر مباشرةً على الثروة السمكية بحيث أن الاسماك التي لن تتحمل ارتفاع حرارة المياه إمّا ستهاجر الى مكان آخر أو ستموت، إضافة الى تآكل الساحل في حال ارتفع سطح البحر، عدا عن الحرائق التي يمكن أن تسببها موجات الحر بصورة كبيرة من جراء الجفاف الذي يطال الغابات والمحميات في لبنان”.

شارك المقال