أوبئة قضت على الملايين… التاريخ يعيد نفسه

تالا الحريري

مرّت عبر هذه السنوات أوبئة كثيرة ومميتة قلبت موازين العالم وتسببت بدمار بشري مخيف. من موت إلى قتل إلى عزل، هكذا حاول الناس عبر الأزمنة القضاء على الأوبئة التي سيطرت على العالم واستشرست. وكان أول تفشٍ للوباء في العام 430 قبل الميلاد خلال الحرب البيلوبونيسية.

لا يزال فيروس كورونا رحيماً أمام الفيروسات التي انتشرت في الحضارات السابقة. صحيح أنّه فتك بالناس وقضى على الكثيرين، وأنّ العالم تخبّط ولم يعد كالسابق، لكن ربّما ساعد وجود التكنولوجيا وتطور العلم والانفتاح في عصرنا هذا في إيجاد حل يخفّف من حدّة هذا الفيروس خلال سنة. اذ لم يمر على وجوده الكثير من الوقت، فسنتان ونصف السنة أو ثلاث سنوات تعتبر قليلة جدّاً مقارنة مع فيروسات استمرت سنوات طويلة جدّاً.

مضت أعوام كثيرة قبل ظهور كورونا لم نشهد فيها وباء أثار القلق الى هذا الحد، لكن هذا العام كان مليئاً بتكاثر الفيروسات التي انتشرت سابقاً وكانت سبباً في القضاء على البشرية. من الطاعون إلى الجدري ثم الكوليرا فالانفلونزا وصولاً إلى الايبولا كلّها فيروسات قضت على معدل 50 – 70% من سكان العالم، وعادت الى الظهور اليوم مجدداً دفعة واحدة.

الطاعون الدبلي صيني المنشأ، وتعتبر الصين موطن الوباء. تفشى في القرن السادس أثناء حكم إمبراطور بيزنطة جستنيان الأول وعرف بـ”طاعون جستنيان” آنذاك. قتل بين 30 إلى 50 مليون شخص، أي ربما ما يعادل نصف سكان العالم في ذلك الوقت. وساهم في توقف الأنشطة التجارية وإضعاف الامبراطورية. ليعود لاحقاً وينتشر في جميع أنحاء أوروبا في العامين 1347 و1351، ونتجت عنه وفاة نحو 25 مليون شخص وعُرف حينها بـ”الموت الأسود”. مات الكثير من الناس لكن في الواقع، ساهم ذلك في خلق المزيد من فرص العمل، وتنامي الحراك الاجتماعي ووقف الحروب لفترة قصيرة. واليوم عاد وظهر مجدداً في الصين مع تسجيل أول إصابة به.

من الطاعون إلى الجدري أحد الامراض المعدية الذي قضى على نحو 30% من المصابين به. ويُقال إنّ الأوروبيين جلبوا عدداً من الأمراض الجديدة عندما وصلوا لأول مرة إلى قارتي الأميركتين في العام 1492. وقد تفشّى هذا المرض في القرنين 15 و17 وأودى حينها بحياة حوالي 20 مليون شخص، أي نحو 90% من السكان.

ونشهد اليوم وباء ينتمي إلى عائلة الجدري وهو جدري القرود الذي ظهر مجدداّ وانتشر في أنحاء العالم وسجّل حوالي 5000 إصابة، ويعمل الخبراء على التصدّي له بلقاح الجدري العادي الذي يحمي بنسبة 85% من الاصابة.

وباء الكوليرا ظهر في منطقة جيسور في الهند، في العامين 1817 و1823 وانتشر في المناطق المجاورة وأودى بحياة الملايين. تعتبر منظمة الصحة العالمية الكوليرا وباء منسياً على الرغم من أنّه يصيب سنوياً ما بين 1.3 مليون و4 ملايين شخص حول العالم، وهذا ناتج عن تناول طعام ملوث أو شرب ماء ملوث نتيجة التوزيع غير العادل للثروة في العالم. وكذلك، يعود الكوليرا الى تسجيل إصابات في الصين غير محدد عددها وحوالي 52 في العراق.

ظهرت بعد ذلك في العامين 1918 و1919 الانفلونزا وكما هو معروف ليست نوعاً واحداً، لكن أكثرها شيوعاً هو إنفلونزا الطيور والخنازير والتي باتت في يومنا هذا مرضاً عادياً يصيبنا كل سنة كنزلة برد وله لقاح سنوي. لكن قبل ذلك تسببت الانفلونزا في قتل أكثر من 50 مليوناً على مستوى العالم. فتاريخ إنفلونزا الخنازير الذي إنتقل من الخنازير إلى البشر يعود إلى العام 2009، وأصاب أكثر من 60 مليون شخص في الولايات المتحدة، وتراوح عدد الوفيات العالمية بين 151 و575 ألفاً.

اما فيروس إيبولا فانتشر لأول مرة في غينيا في العام 2014 ومن ثم في العام 2016 وكان مميتاً بصورة لا تصدق. وقتل هذا الوباء أكثر من 11 ألف شخص من أصل 29.6 ألف مصاب في غينيا وليبيريا وسيراليون. وتشير التقديرات إلى أن فيروس إيبولا كلف 4.3 مليارات دولار، وتسبب في انخفاض الاستثمارات الواردة بصورة كبيرة إلى الدول الثلاث.

ومنذ فترة أسبوعين أو أقل ظهر فيروس ماربورغ الذي ينتمي إلى عائلة إيبولا ويمتلك العوارض نفسها وبدأ يتفشّى وتسبب بحالتي وفاة، كما أنّه يثير قلق منظمة الصحة العالمية بعد إكتشافها قدرته على قتل المصاب في 3 أيام.

شارك المقال