السحب السود في طرابلس… سموم قاتلة وأمراض متنقلة!

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تجدِ المناشدات والنداءات التي أطلقها أهالي مدينة طرابلس في الأيّام الأخيرة، بعد الحرائق اليومية للإطارات والنفايات في سقي طرابلس والبداوي. فهذه الحرائق المستمرة منذ أعوام لم تتوقف ولم تكن تخشى “لومة لائم”، بسبب التغطية السياسية التي تتمتّع بها في وقتٍ يتحكّم أصحابها وهم من عائلات طرابلسية معروفة شعبياً، بمنع أيّ تدخل قد يُؤثر على نفوذهم القائم في هذه المناطق التي لا يُمكن لقاطنيها أن يتحمّلوا هذه النسب المرتفعة من التلوّث والروائح الكريهة والسامّة.

تعيش أم محمّد في منطقة الملولة التي تطلّ على هذه الأراضي حيث تحترق الإطارات وغيرها، ويتملكها الغضب والتوتر الشديدان بسبب الغطاء الأسود الذي يملأ سماء المدينة يومياً ويدخل إلى منزلها الذي لا تتمكّن من إغلاق أبوابه بسبب الطقس الحار والرطوبة المرتفعة، ما يحوّل لونه بجدرانه ومفروشاته إلى اللون الأسود الداكن مع غبار سوداء لا يُمكن إزالتها بسهولة. وتقول لـ “لبنان الكبير”: “أعاني من الربو، ولا أتحمّل هذه الآفة التي لا تتوقف ويُعاني منها كلّ منزل، والحقيقة أنّني أقوم بتنظيف منزلي أكثر من مرتيْن يومياً لإزالة الغبار والقرف الناتج عن عملية الاحتراق التي لا يُمكننا وقفها مع غياب الدولة وسكوتها عن الفاسدين”.

ويقوم أصحاب هذه البور، بحرق الإطارات لبيع الحديد والنحاس بأسعار مرتفعة لا سيما في هذه المرحلة الاقتصادية مع تغيّر الأحوال وارتفاع سعر صرف الدولار بصورة جنونيّة، ما يجعل هذه التجارة التي تُعدّ بدورها كارثة بيئية الشغل الشاغل لأصحابها والمستفيدين منها، وعلى القانون أن يُعاقب عليها لكونها مخالفة واضحة تنبذها الأخلاق العامّة.

وإذا كانت هذه الحرائق تنشط ليلاً، الا أنّها صارت تحدث في وضح النهار بصورة اعتيادية بالقرب من ثكنة تابعة للجيش وبوجود القوى الأمنية التي لا تتدخل للحدّ منها ووقف سمومها “التي ترفع من نسب المصابين بالربو وسرطان الصدر والأمراض التنفسية في هذه المناطق القريبة منها بصورة ملفتة”، وفق ما يقول أحد الأطباء لـ “لبنان الكبير”.

لا تخفى على أحد تداعيات عملية الحرق اليومية، لكنّها في الوقت عينه تبقى واضحة ومباشرة أمام السلطات التي تعرف تماماً الفاعلين بأسمائهم، “لكنّها تغضّ البصر عنهم”، حسب ما يرى أحد الحقوقيين شمالاً، حتّى بعد قيام المعنيين كمحافظ طرابلس والشمال القاضي رمزي نهرا بإطلاق وعود بمتابعة هذا الموضوع، الا أنها لم تترافق مع خطوات عملية للحدّ منها مهما ارتفع صوت المطالبين والمتضررين، فضلاً عن غياب الدور البلدي في ظلّ تقاعس واضح مسبق لأيّ قضية أو ملف يرتبط بأهالي المدينة بحجج باتت تتكرّر عند إثارة أيّ قضية طرابلسية كغياب التمويل، أو عدم إمكان إرسال الشرطة البلدية في وقتٍ متأخر من الليل في ظلّ التوتر الأمني الذي يجتاح المدينة منذ أعوام، تُضاف الى ذلك الأزمات التي باتت تطرح الثقة برئيس البلدية الحالي رياض يمق، ما يُشير إلى الحجم الكارثيّ للأزمة في هذه المدينة.

ولا تقتصر عملية الحرائق السامّة على اشتعال هذه الإطارات في بور طرابلس أو على اشتعال كلّ ما يُمكن أن تنتج عنه هذه المعادن التي بات سعرها أغلى من سعر المواطن في هذه البلاد من حيث القيمة، بل بتنا على استعداد كامل يومياً لتقبّل حرق الإطارات التي يستخدمها مواطنون في احتجاجاتهم التي يُغلقون معها الطرقات بهذا الأسلوب الذي يُسيء الى محيطهم البيئي “المسموم” أساساً، ويُسيء أيضاً إلى جودة الطرقات السيئة أصلاً، إذْ ينعكس حرق الإطارات مباشرة على الأرض ليحدث خروقاً فيها تُشبه الحفر بصورة كبيرة، مع العلم أنّ هؤلاء المواطنين يُدركون تماماً تأثير عملية الحرق عليهم صحياً وإنمائياً، مع غياب أيّ تمويل لإعادة تعبيد الطرقات الدولية منها أو الداخلية، كما يعلمون أنّ عملية إصلاحها أو تحسينها باتت حلماً لا يُمكن تحقيقه مع غياب المبادرة والتمويل.

شارك المقال