مجزرة بيئية في سلسلة جبال لبنان الشرقية… وتوقيفات بـ”الجملة”!

راما الجراح

يواجه جبل الصويرة والمنارة خطر الضرر البيئي الناتج عن قطع الأشجار التي تؤدي إلى تآكل التربة. وقد استفحل الاعتداء على القطاع الغابوي في الصويرة، من سرقة للرمال وقطع الأشجار، وبالتالي، تدمير التاريخ الجيولوجي لهذه الغابة الشاسعة التي هي المتنفس الوحيد.

ومع تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع سعر مادة المازوت، قام الأهالي بقطع الأشجار بهدف التدفئة في السلسلة الشرقية لخراج بلدتي الصويرة والمنارة، وأوقفت الأجهزة الأمنية عدداً منهم، وتضامن معهم عدد من الأهالي والفعاليات والمخاتير معتبرين أنهم أبرياء، وأن قوى الأمن قامت بمداهمات وتوقيفات عشوائية.

وأوضح مصدر أمني لـ”لبنان الكبير” أن “الأجهزة القضائية والأمنية تحركت للجم هذا الموضوع وبدأت التحقيقات وبالفعل جرى توقيف بعض المتورطين وهم حوالي ١٠٠ شخص، وهناك مساعٍ كبيرة للإفراج عنهم”.

أيوب: تنازلت عن حقي بحادثة إطلاق النار

وقال رئيس بلدية المنارة حسن أيوب، الذي حرّك القضية وجعلها قضية رأي عام بعد الشكوى التي تقدم بها بحق سارقي الجبل على حد تعبيره: “هذه المشكلة بدأت منذ سنة تقريباً، وكنا نقوم بمراجعة الأجهزة المختصة وهي ليست المرة الأولى، وقمنا بالاتصال بمخاتير الصويرة وفعالياتها لتفادي أي مشكلة مع جيراننا الذين نحبهم ونحترمهم. وفي أحد الايام أبلغنا بأن هناك مجزرة بيئية ارتكبت في الحرج المحاذي لبلدة الصويرة، وذهبنا مع مختار البلدة والشرطة البلدية ومأمور الأحراج للاطلاع على ما يجرى هناك، وفوجئنا بتلك المجزرة البيئية بحيث جرى قطع أكثر من ٢٠٠ شجرة معمرة”.

أضاف لموقع “لبنان الكبير”: “أثناء الدورية حصل إطلاق نار بإتجاهنا والحمدلله لم يصب أحد بأذى، وهذه الحالة التي لا يمكن السكوت عنها ودعتنا الى الإتصال بوزيري البيئة والزراعة وجميع الأجهزة الأمنية ونشكرهم على تعاونهم لإنقاذ ما تبقى من الحرج الذي حافظ عليه أهلنا وأجدادنا حيث كانوا يقومون بتشحيله وحمايته منذ سنوات من الرعي ونحن في البلدية نتابع ما قام به أهلنا وبلدياتنا السابقة”.

وتابع: “منذ سنة ٢٠١٠ قمنا بزرع أكثر من ٤٠ ألف شجرة، نقوم برعايتها لملء الفراغ في الحرج وقد شحّلنا جزءاً منه بإشراف وزارة الزراعة، وسنستكمل هذه السنة تشحيل جزء آخر، اضافة إلى وجود برنامج لدينا بالتعاون مع جمعية تحريج لبنان يمتد لثلاث سنوات لتكون المنارة نموذجاً لادارة المراعي والغابات في لبنان”.

وأكد أيوب أنه “بعد تدخل المصلحين والفعاليات من أهلنا وجيراننا قمت بالتنازل عن حقي الشخصي في حادثة إطلاق النار، أما الحفاظ على الحرج فنضعه في عهدة وزارتي البيئة والزراعة والأجهزة المختصة”، شاكراً “كل من يتعاون معنا من أجهزة أمنية وأهلنا في الصويري والمنارة لنحافظ على الحرج خصوصاً وأنه الوحيد في سلسلة جبال لبنان الشرقية الذي يحتوي على هذه الكمية من الأشجار المعمرة، ونحن ندرك صعوبة الوضع الاقتصادي والاجتماعي وهمنا اليوم ليس حماية الحرج وحسب، بل يجب علينا الانصراف لمعالجة مشكلات الناس اليومية من ماء وكهرباء وجمع نفايات وغيرها “.

صميلي: غياب الدولة هو السبب

اما نائب رئيس بلدية الصويرة السابق محمد صميلي فأشار الى أن “غياب الدولة، والوضع الاقتصادي الصعب، جعلا الناس عاجزين عن تأمين أبسط حاجاتهم المعيشية، حتى أن الوظيفة الواحدة لم تعد كافية لأي رب أسرة ليستطيع تأمين متطلبات عائلته، وكل هذه الأمور تولد السرقات، وقطع الأشجار وبيعها لحطب الشتاء وغيره، لأنهم جميعاً مسؤولون عن تأمين لقمة عيش لأبنائهم”، لافتاً إلى أن “من يسرقون الأشجار هم من فئات عدة، صغاراً وكباراً وشيوخاً، وهذا دليل كبير على أن حاجتهم أجبرتهم على مثل هذا الفعل، في الوقت الذي يفتقدون فيه لاهتمام الدولة بهم من حيث قبولهم في الشؤون الاجتماعية ومساعدتهم في معيشتهم”.

واعتبر صميلي أن “المحتاج فقط مَن يرى في قطع الأشجار وتحطيبها غاية لتدفئة أولاده في الشتاء، أو لبيع الحطب لتأمين لقمة عيش لهم”، وقال: “نسبياً، تم قطع نحو ٥٠٪ من الأشجار في جبل الصويرة، وكنا نأمل لو كانت هناك رقابة على هذا الفعل، أي أن يتم قطع الأشجار ولكن بطريقة قطع الفروع الخارجة منها مثلاً، ولكن حصل ما حصل. ففي العام ٢٠١٨، قامت البلدة بشراء ٢٠ ألف شجرة زيتون وزرعناها في جبل الصويرة، حتى يستفيد منها الأهالي، وفي العام ٢٠١٩ قدمنا استقالتنا من البلدية، ولم تبق شجرة زيتون في الجبل، حيث قام الناس بقلعها وزرعها في أرضهم الخاصة، بما معناه أن هذه الأزمة ليست وليدة اليوم، بل بدأت منذ ٣ سنوات ويبدو أنها مستمرة”.

وأسف لأنهم “أوصلوا الناس الى مرحلة بدل زرع الأشجار، القيام بقطعها للتدفئة عليها”، مشدداً على وجوب “أن تطالب وزارتا الزراعة والبيئة بمعاقبة السارقين، وأن يجبر من تسببوا بهذا الضرر في الأشجار على شراء ٢٠٠ شجرة من قياس معين، وزرعها بإشراف الدولة، وبهذه الطريقة نحد من هذه الظاهرة ونكون قد عوّضنا الخسارة بطريقة قانونية وعادلة”.

جانبين: الجوع كافر

وأوضح الشيخ محمود جانبين، من بلدة الصويرة أن “٨٠٪ من أهل الصويرة في السلك العسكري، الذي هو من أكثر المتضررين خلال الأزمة في ظل عدم استقرار سعر الدولار، وهناك نسبة كبيرة منهم تعمل أيام السبت والآحاد، إضافة إلى عملها تحت أيدي معلم البلاط أو الحجر وغيرهم، محاولة منها لتأمين لقمة عيش لعائلتها، ولجوئها للتوفير على سبيل المثال في التدفئة، بحيث وصل سعر طن الحطب إلى ما يزيد عن ١٢٠ دولاراً أي ما يساوي راتب شهرين، لذلك هناك نسبة ٣٠٪ من هؤلاء ممن تصعد إلى الجبل لقطع الأشجار وتجميع الحطب للتدفئة، وبيع قسم منه، وهكذا حتى نشطت تجارة الحطب في منطقتنا”.

أضاف: “الجوع كافر، وخصوصاً في منطقتنا التي حلَّ فيها المجلس البلدي، ولا يتوافر فيها لا كهرباء لبنان ولا اشتراك موتورات، ونحن نعتبر أننا نعيش في ضيعة منكوبة، ولذلك اضطر الناس للصعود إلى الجبل، وأنا لا أبرر فعلتهم، ولكن إذا لم يكن هناك أي حل أمام الناس أيُرضي المسؤولين أن نسرق بعضنا البعض؟ وجمع الحطب والنزول فيه من الجبل ليس سهلاً أبداً، فالناس يمشون حوالي ٦ كيلومترات ويحملون الحطب على أكتافهم على ضوء القداحة، وشكوى وزارة البيئة على أهالي الصويرة مجحفة بسبب عدم تقديم الدولة أي حل للعائلات الفقيرة”.

شارك المقال